أقَشِيبَ رَبْعِهِمِ أَرَاكَ دَرِيسَا قصيدة أبو تمام
أقَشِيبَ رَبْعِهِمِ أَرَاكَ دَرِيسَا – أبو تمام
أقَشِيبَ رَبْعِهِمِ أَرَاكَ دَرِيسَا … وقرى ضيوفكَ لوعة ً ورسيسا
ولئِنْ حُبِسْتَ على البِلى لَقَدْ اغتَدَى … دمعي عليكَ إلى المماتِ حبيسا
فكأنَّ طَسماً قَبْلُ كانُوا جيرَة ً … بِكَ والعَماليقَ الأُلى وجَدِيسَا
وأرى ربعكَ موحشاتٌ بعدها … قَدْ كنتَ مأْلوفَ المَحَل أنِيسَا
وبلاقعاً حتّ كأنَّ قطينها … حَلَفوا يَمِيناً أَخْلَقَتْكَ غَمُوسَا
أَتُرَى الفِراقَ يَظُنُّ أني غافِلٌ … عَنْه وقد لمَستْ يَدَاه لِميسَا
رودٌ أصابتها النوى في خردٍ … كانتْ بدورِ دجنة ِ وشموسا
بيضٌ تَدُورُ عُيُونُهُنَّ إلى الصبَا … فكأنهنَّ بها يدرنَ كووسا
وكأنما أهدى شقائقهُ إلى … وجَنَاتِهِنَّ بها أبو قَابُوسَا
قدْ أوتيتَ منْ كلِ شيءٍ بهجة ٍ … ودداً وحسناً في الصبا مغموسا
لولا حداثتها وأني لا أرى … عَرْشاً لها لَظَنَنْتُهَا بِلْقيسَا
إيهاً دِمشْقُ فقَدْ حَوَيْتِ مَكارِماً … بأبي المغيثِ وسؤدداً قدموسا
وأَرَى الزَّمانَ غَدا عليِكِ بِوجْهِهِ … جذلانَ بساماً وكانَ عبوسا
قدْ بوركتْ تلكَ البطونُ وقدستْ … تِلْكَ الظُّهُورُ بِقُرْبِهِ تَقْدِيسَا
فَصَنِيعَة ٌ تُسْدَى وخَطْبٌ يُعْتلى … وعظيمة ٌ تكفى وجرحٌ يوسى
الآن أمستْ للنفاقِ وأصبحتْ … عُوراً عُيونٌ كنَّ قَبْلَكَ شُوسَا
وتركتَ تلكَ الأرضَ ظلاً سجسجاً … مِنْ بَعْدِ ماكادَتْ تَكونُ وَطِيسَا
لم يَشْعُروا حتى طَلَعْتَ عليْهِمِ … بَدْراً يَشُقُّ الظُّلْمَة الْحِنْديسَا
ما في النجومِ سوى تعلة ً باطلٍ … قَدُمَتْ وأُسسَ إفْكُهَا تَأْسِيسَا
إنَّ الملوكَ همُ كواكبنا التي … تخفى وتطلعُ أسعداً ونحوسا
فَتنٌ جَلَوْتَ ظَلامَها مِنْ بَعْد ما … مَدُّوا عُيوناً نَحْوها وَرُؤُوسا
حَرْبٌ يَكونُ الجَيْشُ فَضْلَ صَبُوحِها … ويكونُ فضلُ عبوقها الكردوسا
غرمُ امرىء ٍ منْ روحهِ فيها إذا … ذُو السلْمِ أُغْرِمَ مَطْعماً ولَبُوسَا
كم بينَ قومٍ إنما نفقاتهم … مَالٌ وقَوْمٍ يُنفِقَونَ نفُوسَا
سارَ ابنُ إبراهيم موسى سيرة ٌ … سكنَ الزمانُ لها وكانَ شموسا
فأقرَ واسطة َ الشآمِ وأنشرتْ … كفاهُ جوراً لم يزلْ مرموسا
كانتْ مَدِينَة ُ عَسْقَلانَ عَرُوسَها … فغَدَتْ بِسيرته دِمشْقُ عَرُوسَا
مِنْ بَعْد ما صَارت هُنَيْدة ُ صِرْمَة ً … والبَدْرَة ُ النَّجلاءُ صَارَتْ كِيسَا
فكأنهم بالعجلِ ضلوا حقبة ً … وكأنَّ موسى إذْ أتاهمُ موسى
وستشكرُ النعمى التي صنعتْ ولا … نِعَمٌ كنُعْمَى أنقذَتْ مِنْ بُوسَى
ألْوَى يُذِلُّ الصَّعْبَ إنْ هو سَاسَهُ … ويُلينُ جانِبَهُ إذا ما سيسَا
ولِذَاكَ كانُوا لا يُرأَّسُ منهُمُ … منْ لم يجربْ حزمهُ مرؤوسا
مَنْ لم يَقُدْ فَيطِيرَ في خَيْشُومِهِ … رهجٌ الخميسِ فلنْ يقودَ خميسا
أعطِ الرياسة َ منْ يديكَ فلم تزلْ … مِنْ قبْلِ أنْ تُدْعَى الرئيسَ رئيسَا
ماذا عسَيْتَ ومِنْ أمَامِكَ حَيَّة ٌ … تَقِصُ الأُسُودَ ومِنْ وَرائِكَ عِيسَى
أسدانِ شدا منْ دمشقَ وذللاً … مِنْ حِمْصَ أَمْنَعَ بَلْدَة ٍ عِريسَا
تخذَ القنا خيساً فإن طاغٍ طغى … نَقَلا إلى مَغْناهُ ذَاكَ الْخِيسَا
أَسْقِ الرَّعيَّة َ مِنْ بَشَاشَتِكَ التي … لو أنها ماءٌ لكانَ مسوسا
إنَّ الطلاقة َ والندى خيرٌ لهمْ … مِنْ عِفَّة ٍ جَمَسَتْ عَلَيْكَ جُمُوسَا
لو أنَّ أَسْبَابَ العَفافِ بلا تُقى ً … نَفعَتْ لقد نَفَعتْ إذاً إبْليسَا
هذي القوافي قدْ أتينكَ نزعاً … تَتجسَّمُ التَّهْجيرَ والتَّغليسَا
مِنْ كُل شَارِدَة ٍ تُغادِرُ بَعْدها … حظَّ الرجالِ منَ القصيدِ خسيسا
وجَدِيدَة المَعْنَى إذا مَعْنَى التَّي … تَشْقَى بها الأسْماعُ كان لَبِيسَا
تلهو بعاجلِ حسنها وتعدها … عِلْقاً لأعجازِ الزَّمانِ نَفِيسَا
مِنْ دَوحة ِ الكَلمِ التي لم تَنْفَكِكْ … يمسي عليكَ رصينها محبوسا
كالنَّجْمِ إنْ سَافرْتَ كان مُوَاكِبا … وإذا حططتْ الرحلَ كانَ جليسا
إنَّا بَعَثْنَا الشعْرَ نَحْوَكَ مُفْردَاً … وإذا أَذِنْتَ لنا بَعْثنا العِيسَا
تَبْغي ذُراكَ إذا آسِنَّة ُ قَعْضَبٍ … أردينَ عريفَ الوغى المريسا