تقرير عن المجتمع العماني للصف الحادي عشر جاهز للطباعة
تقرير شامل عن المجتمع العماني: رحلة التحول من التقاليد إلى الحداثة
يشهد المجتمع العماني اليوم تحولاً جذرياً يمزج بين عراقة التراث والطموحات المستقبلية، حيث تبلورت خلال العقود الخمسة الماضية هوية مجتمعية فريدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة. وفقاً لأحدث الإحصائيات، يبلغ عدد سكان سلطنة عُمان حوالي 5.49 مليون نسمة في عام 2025، منهم 62.41% ذكور و37.59% إناث، مع متوسط عمر يبلغ 29.7 سنة، مما يعكس مجتمعاً فتياً يتطلع نحو المستقبل. تمكنت السلطنة من تحقيق نقلة حضارية استثنائية منذ عام 1970، عندما لم تكن تضم سوى ثلاث مدارس و900 طالب، لتصبح اليوم نموذجاً للتنمية المستدامة في المنطقة مع 89.20% من السكان يعيشون في المناطق الحضرية.
التركيبة السكانية في عُمان حسب العمر والجنس (2025)
التركيبة الديموغرافية والخصائص السكانية
البنية العمرية والتوزيع الجغرافي
يتميز المجتمع العماني بتركيبة عمرية شابة تعكس إمكانات هائلة للنمو والتطوير، حيث تشكل الفئة العمرية من 25-54 سنة أكبر شريحة سكانية بنسبة 53.64% (حوالي 2.53 مليون نسمة)، تليها فئة الأطفال والمراهقين دون 15 سنة بنسبة 26.82% (1.26 مليون)، ثم الشباب من 15-24 سنة بنسبة 12.27% (0.58 مليون). هذا التوزيع العمري يشير إلى وجود قوة عمل شابة ومنتجة، لكنه يطرح تحديات في توفير فرص العمل والخدمات التعليمية والصحية الملائمة.
يتركز معظم السكان في المناطق الحضرية، خاصة في محافظة مسقط وسهل الباطنة الساحلي، حيث يعيش حوالي نصف السكان في مسقط ومناطقها المحيطة. هذا التحضر السريع، الذي ارتفع من 30% في عام 1970 إلى 89.20% حالياً، يعكس عملية التطوير الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته السلطنة، لكنه أيضاً خلق تحديات في إدارة النمو العمراني والحفاظ على الموارد الطبيعية.
التنوع الإثني والثقافي
يتسم المجتمع العماني بتنوع إثني وثقافي ثري، حيث يضم العمانيين العرب الأصليين إلى جانب مجتمعات من أصول بلوشية وأفريقية وفارسية، مما يعكس تاريخ عُمان التجاري والبحري العريق. حوالي 20% من العمانيين ينتمون إلى أصول بلوشية، وقد هاجر أسلافهم إلى عُمان منذ قرون وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العماني. هذا التنوع الإثني يثري الثقافة العمانية ويساهم في تعزيز قيم التسامح والتعايش التي تشتهر بها السلطنة.
يتحدث العرب بالعربية كلغة رسمية، بينما تحتفظ المجتمعات الإثنية المختلفة بلغاتها ولهجاتها الخاصة، مما يضفي ثراءً لغوياً على المجتمع العماني. هذا التنوع اللغوي والثقافي يعكس الهوية العمانية المتعددة الأبعاد التي تجمع بين الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي.
Traditional Omani man and woman dressed in cultural attire showcasing the national dress and accessories.
البنية الاجتماعية والتقاليد
النظام القبلي والتحولات الحديثة
لا يزال المجتمع العماني يحتفظ بطابعه القبلي التقليدي، رغم التغيرات الجذرية التي طرأت عليه منذ عام 1970. النظام القبلي في عُمان ليس مجرد تنظيم اجتماعي تقليدي، بل يمثل شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر على حياة المواطنين اليومية. تحتفظ القبائل بدور مهم في الانتخابات البرلمانية وفي توزيع الخدمات الحكومية، حيث تعمل الحكومة على توظيف الولاءات القبلية لضمان الاستقرار السياسي.
شهدت الأحداث الأخيرة في محافظة ظفار تطوراً في الديناميكيات القبلية، حيث بدأت القبائل في التعبير عن مطالبها في الفضاء المدني، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الدينية والاجتماعية. هذا التطور يشير إلى تحول في الدور السياسي والاجتماعي للقبائل من الحفاظ على الوضع القائم إلى المشاركة الفعالة في القضايا العامة.
التحدي الأساسي اليوم يكمن في التوفيق بين الحفاظ على الهوية القبلية التقليدية ومتطلبات المواطنة الحديثة وسيادة القانون. الدولة العمانية تسعى إلى إعادة تشكيل دور القبائل بما يتماشى مع مفهوم الوحدة الوطنية، لكن هذا التحول يواجه تحديات في تحقيق التوازن بين الولاءات التقليدية والمواطنة المعاصرة.
Omani men in traditional attire sharing food in a communal setting, showcasing cultural hospitality and community values.
التقاليد والعادات الاجتماعية
يتميز المجتمع العماني بثراء تقاليده وعاداته الاجتماعية التي تعكس قيم الضيافة والكرم والاحترام المتبادل. تحتل الضيافة مكانة خاصة في الثقافة العمانية، حيث يعتبر إكرام الضيف واجباً اجتماعياً ومن المعيب رفض الدعوة أو الضيافة المقدمة. هذه القيم الاجتماعية تنعكس في الحياة اليومية للعمانيين وتساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي.
تلعب وجبات الطعام دوراً محورياً في التجمعات الاجتماعية، حيث تتكون الوجبة العمانية التقليدية من الأرز واللحم المتبل أو السمك والتمر والقهوة أو الشاي. في نهاية الوجبة، يُحرق البخور، وخاصة اللبان الذي يُعتبر من أشهر منتجات عُمان التقليدية. هذه الطقوس الاجتماعية تعزز الروابط الأسرية والمجتمعية وتحافظ على الهوية الثقافية العمانية.
يحتفل العمانيون بالأعياد الإسلامية الرسمية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، إضافة إلى المناسبات الوطنية مثل العيد الوطني الذي يحتفل بطرد البرتغاليين في القرن السابع عشر وعيد ميلاد السلطان. هذه المناسبات تعزز الهوية الوطنية وتقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
Traditional Omani men in customary dress gather to watch a bull-butting event, showcasing an aspect of Omani tribal and cultural heritage.
اللباس التقليدي والهوية الثقافية
يحتفظ المجتمع العماني بلباسه التقليدي كرمز للهوية الثقافية والانتماء الوطني. يرتدي الرجال العمانيون الدشداشة، وهي ثوب طويل يصل إلى الكاحل، عادة ما يكون أبيض أو بألوان فاتحة، ويُكمل بالكمة أو المزار (العمامة التقليدية). يحمل العديد من الرجال الخنجر، وهو خنجر قصير عريض منحنٍ ومزخرف، يُلبس في مقدمة الحزام كرمز للرجولة والتراث العماني.
ترتدي النساء العمانيات أزياء ملونة ومطرزة تُعرف بالسروال أو الجلابية، والتي تختلف قليلاً من منطقة إلى أخرى، وتتميز بالأقمشة الزاهية والمجوهرات التقليدية. تغطي النساء رؤوسهن بالحجاب أو اللحاف، وفي المناطق الأكثر محافظة قد ترتدين العباءة السوداء وغطاء الوجه.
رغم الانفتاح على الثقافات العالمية والأزياء الحديثة، خاصة في المناطق الحضرية، يحافظ العمانيون على ارتداء الزي التقليدي في المناسبات الرسمية والاجتماعية المهمة. هذا الاعتزاز بالتراث يعكس توازناً مميزاً بين الأصالة والمعاصرة في المجتمع العماني.
التعليم والتنمية البشرية
تطور النظام التعليمي
شهد النظام التعليمي في عُمان نقلة نوعية استثنائية منذ عام 1970، عندما لم تكن هناك سوى ثلاث مدارس رسمية و900 طالب في كامل السلطنة. اليوم، يضم النظام التعليمي العماني أكثر من 1,053 مدرسة حكومية تخدم حوالي 560,000 طالب، إضافة إلى حوالي 65,000 طالب في المدارس الخاصة. هذا التطور الهائل يعكس الاستثمار الكبير الذي وضعته الحكومة العمانية في التعليم كأساس للتنمية الشاملة.[10][11]
يتبع النظام التعليمي العماني هيكلاً من ثلاث مراحل: التعليم الأساسي (10 سنوات مقسمة إلى حلقتين)، والتعليم ما بعد الأساسي (سنتان)، والتعليم العالي. في عام 1997، بدأت وزارة التربية والتعليم بتطوير برنامج التعليم الأساسي ليحل تدريجياً محل نظام التعليم العام الثلاثي المراحل، بهدف إنشاء نظام موحد يغطي السنوات العشر الأولى من التعليم.
يُقدم التعليم مجاناً في جميع المراحل، رغم أنه غير إلزامي قانونياً. هذه السياسة التعليمية المجانية ساهمت في تحقيق تقدم ملحوظ في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، حيث ارتفعت من 54.7% في عام 1990 إلى 93.0% للبالغين، ومن 85.6% إلى 97.3% للشباب خلال نفس الفترة.
التعليم العالي والبحث العلمي
تأسست جامعة السلطان قابوس في عام 1986 كأول وأكبر جامعة حكومية في السلطنة، وتضم تسع كليات تشمل الطب والهندسة والعلوم والآداب والعلوم الاجتماعية والتجارة والاقتصاد والتربية والقانون والتمريض. تخدم الجامعة حوالي 13,500 طالب وتُعتبر مركزاً للتعليم العالي والبحث العلمي في السلطنة.
إلى جانب جامعة السلطان قابوس، تدير وزارة التعليم العالي ست كليات للعلوم التطبيقية في إبري ونزوى وصلالة وصحار وصور ورستاق. هذه الكليات، التي كانت سابقاً كليات للتربية، تم تحويلها في عام 2005 لتلبي احتياجات سوق العمل الحالي في مجالات مثل إدارة الأعمال الدولية والاتصالات والتصميم والهندسة وتكنولوجيا المعلومات.
تواجه مؤسسات التعليم العالي تحدياً متزايداً مع ارتفاع عدد خريجي التعليم الثانوي، حيث من المتوقع أن يصل عددهم إلى 44,000 خريج سنوياً. هذا الضغط المتزايد دفع الحكومة لتشجيع القطاع الخاص على تأسيس الجامعات والكليات، مما أدى إلى ظهور أول كلية خاصة في عام 1994.
An Omani woman engaged in studying or professional work with a laptop and documents at a wooden table.
التحديات التعليمية المعاصرة
رغم التقدم الكبير المحقق، يواجه النظام التعليمي العماني تحديات عديدة تتطلب معالجة عاجلة. من أبرز هذه التحديات ضعف مستوى اللغة الإنجليزية بين الطلاب، حيث يحتاج معظم خريجي المدارس إلى برامج تأسيسية قبل بدء الدراسة الجامعية. تشمل العوامل المساهمة في هذه المشكلة عدم فعالية المعلمين، وعدم كفاية المناهج، وعدم اهتمام الطلاب، والتعرض المحدود للإنجليزية خارج الفصل الدراسي.
كما تواجه المؤسسات التعليمية تحديات في مواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية، خاصة في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي عالمياً. الحاجة ملحة لتطوير المناهج والوسائل التعليمية لتتماشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ومهارات المستقبل.
تثير قضية التوازن بين الجودة والكمية تساؤلات مهمة حول قدرة النظام التعليمي على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب مع الحفاظ على مستوى عالٍ من التعليم. هذا التحدي يتطلب استثمارات إضافية في البنية التحتية التعليمية وتدريب المعلمين وتطوير المناهج.
الاقتصاد والعمل
التركيبة الاقتصادية والتنويع
يعتمد الاقتصاد العماني بشكل أساسي على قطاع النفط والغاز، الذي يوفر حوالي 70% من الإيرادات الحكومية السنوية ويساهم بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الاعتماد الكبير على الموارد الهيدروكربونية يجعل الاقتصاد العماني عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، مما دفع الحكومة إلى تبني استراتيجية طموحة للتنويع الاقتصادي في إطار رؤية عُمان 2040.
تركز الخطة الخمسية العاشرة (2020-2025) على تحقيق التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على خمسة قطاعات واعدة: الزراعة ومصايد الأسماك، والتصنيع، واللوجستيات والنقل، والطاقة والتعدين، والسياحة. هذه القطاعات تم اختيارها بناءً على إمكانات النمو العالية والعوائد الاقتصادية المتوقعة.
شهد الاقتصاد العماني تحولاً ملحوظاً في هيكله القطاعي، حيث انخفضت مساهمة قطاع النفط والغاز من 47.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى 27.4% في عام 2016، بينما ارتفعت مساهمة قطاع الخدمات من 42% إلى 53.5% والصناعة من 8.4% إلى 20.1% خلال نفس الفترة. هذا التحول يعكس نجاحاً نسبياً في جهود التنويع الاقتصادي مقارنة بدول الخليج الأخرى
سوق العمل والتحديات
يواجه سوق العمل العماني تحديات معقدة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين فئتي الشباب والنساء. وفقاً لأحدث الإحصائيات، بلغ معدل البطالة العام 4.10% في مارس 2023، لكن هذا الرقم يخفي تفاوتات كبيرة، حيث يصل معدل البطالة بين النساء إلى 13.7% مقارنة بـ 1.7% بين الرجال. الأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى 15.44%، وتشير بعض التقارير إلى أنه قد يصل إلى 50% في بعض فئات الشباب.
حملة الشهادات الجامعية يشكلون أكبر نسبة من الباحثين عن عمل بنسبة 11.3%، مما يشير إلى وجود فجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل. هذا التحدي يعكس الحاجة إلى إعادة النظر في المناهج الجامعية وبرامج التدريب المهني لضمان توافقها مع احتياجات الاقتصاد المتنوع.
أطلقت وزارة العمل تطبيق “معك” في يناير 2023 لمساعدة الباحثين عن عمل وأصحاب العمل في تعزيز خلق فرص العمل. كما أعلنت الوزارة عن خطط لإنشاء 35,000 فرصة عمل جديدة، منها 14,000 في القطاع الخاص و2,000 من خلال المبادرات الحكومية. رغم هذه الجهود، يبقى عدد الباحثين عن عمل المسجلين مرتفعاً عند 110,000 شخص بنهاية مارس 2023.
سياسات التوطين والأجور
تتبع الحكومة العمانية سياسة فعالة لتوطين الوظائف في القطاع الخاص، حيث يُضمن للمواطنين العمانيين العاملين في القطاع الخاص حد أدنى للأجور يبلغ 325 ريال عماني شهرياً (حوالي 844 دولار)، والذي لم يتم رفعه منذ يوليو 2013. في مارس 2023، أكدت وزارة العمل أنها تدرس رفع الحد الأدنى للأجور إلى 360 ريال عماني (936 دولار).
بحلول يناير 2023، كان 47% من المواطنين العاملين في القطاع الخاص يتقاضون راتباً شهرياً أقل من 500 ريال عماني. هذا الوضع يسلط الضوء على التحديات المعيشية التي يواجهها جزء كبير من القوى العاملة العمانية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وإلغاء الدعم الحكومي على المرافق والغذاء.
من ناحية أخرى، لا يحصل العمال الأجانب على الحد الأدنى المضمون للأجور ولا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى نظام الرعاية الاجتماعية. هذا التفاوت في المعاملة يعكس سياسة الحكومة في إعطاء الأولوية للمواطنين في التوظيف والمزايا الاجتماعية.
وضع المرأة والتطور الاجتماعي
التقدم في حقوق المرأة
حققت المرأة العمانية تقدماً ملحوظاً في مختلف المجالات منذ عام 1970، عندما حصلت على حق التعليم كخطوة أساسية نحو تمكينها. صادقت عُمان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في عام 2006، ومنحت المرأة حقوق ملكية الأراضي المساوية للرجل في عام 2008، مما يعكس التزام الدولة بتعزيز المساواة بين الجنسين.
تشارك المرأة العمانية بفعالية في الحياة السياسية، حيث تشغل منصب وزير في ثلاث وزارات من أصل 22 وزارة، وتضم 12 امرأة في مجلس الدولة من أصل 86 عضواً، وامرأتين في مجلس الشورى من أصل 86 عضواً. كانت عُمان أول دولة خليجية تمنح المرأة حقوقها السياسية في عام 1994، مما يدل على الرؤية التقدمية للقيادة العمانية تجاه دور المرأة في التنمية.
في مجال التعليم العالي، تشكل النساء أكثر من 50% من طلاب الجامعات، وبلغت نسبة خريجات التعليم العالي 63% في عام 2021. هذا التفوق الأكاديمي للمرأة يعكس التزامها بالتعليم والتطوير الذاتي، لكنه لا ينعكس بشكل مناسب في سوق العمل.
Omani women receiving certificates during a formal event promoting women’s education and professional development.
التحديات المستمرة
رغم التقدم المحرز، تواجه المرأة العمانية تحديات عديدة تحد من مشاركتها الكاملة في المجتمع والاقتصاد. معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة لا يزال منخفضاً نسبياً عند 32% في عام 2023، رغم الارتفاع التدريجي خلال العقود الماضية. هذا المعدل لا يزال أقل من معدلات دول الخليج الأخرى ولا يعكس المستوى التعليمي العالي للمرأة العمانية.
تنص قوانين الأحوال الشخصية العمانية على قيود تمييزية ضد المرأة في مجالات الزواج والطلاق والميراث والجنسية وحضانة الأطفال. تحتاج المرأة إلى إذن من ولي أمرها الذكر للزواج، بينما يستطيع الرجل الحصول على الطلاق دون سبب، على عكس المرأة التي يجب أن تثبت الهجر أو عدم تقديم الدعم المالي. كما ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل وتواجه صعوبات أكبر في الحصول على الوصاية القانونية على أطفالها.
العنف الأسري والاغتصاب الزوجي لا يزالان غير مجرمين بشكل واضح في القانون الجنائي العماني، مما يترك النساء عرضة للإساءة دون حماية قانونية كافية. النساء اللواتي يبلغن عن الاغتصاب قد يواجهن تهم إقامة علاقات جنسية خارج نطاق الزواج إذا لم يكسبن قضيتهن.
التأثير الاجتماعي والاقتصادي
النظم الأبوية المتجذرة والتقاليد القبلية تؤثر على مشاركة المرأة في الحياة العامة، خاصة في المناطق الريفية حيث تفرض القبائل المؤثرة قيوداً أكثر صرامة على الأعضاء الإناث. هذا التأثير يتجلى في محدودية فرص الوصول إلى الخدمات الحكومية والمشاركة الاقتصادية للنساء الريفيات.
اتخذت الحكومة العمانية مؤخراً خطوات لدعم النساء الريفيات، بما في ذلك إنشاء منصة إلكترونية لترويج وبيع المنتجات المصنوعة من قبل رائدات الأعمال الريفيات. هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة الريفية في الاقتصاد وتوفير مصادر دخل مستدامة لها.
يتطلب التقدم الحقيقي في وضع المرأة العمانية إصلاحات قانونية شاملة في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية لتتماشى مع التزامات اتفاقية سيداو. كما تحتاج الحكومة إلى تعزيز دور المرأة في المناصب القيادية وصنع القرار، وتطوير برامج تهدف إلى معالجة القيود الفريدة التي تواجهها النساء في المناطق الريفية.
Omani woman engaged in professional or academic work, symbolizing women’s education and workplace development.
الصحة والرعاية الاجتماعية
تطور النظام الصحي
شهد النظام الصحي العماني تطوراً استثنائياً منذ تأسيس وزارة الصحة في عام 1971، عندما واجهت تحديات هائلة لبناء نظام صحي وطني وتحسين صحة الشعب العماني. اعتمدت عُمان استراتيجية الصحة للجميع القائمة على الرعاية الصحية الأولية، والتي ترتكز على أربعة مبادئ أساسية: تقديم خدمات صحية شاملة، والعدالة في توزيع الخدمات، ومشاركة المجتمع، والتعاون بين القطاعات.
أعلنت الحكومة العمانية الصحة حقاً أساسياً للمواطن والتزمت بتقديم الخدمات الصحية العامة مجاناً. هذا الاستثمار لم يكن فقط لتوفير الحماية المالية ضد تكاليف المرض، بل أيضاً لأهمية التنمية الصحية في التطوير الاقتصادي والاجتماعي. اليوم، تصل الخدمات الصحية الحكومية المحلية إلى 100% من الأسر الحضرية و90% من الأسر الريفية.
يتبع تنظيم تقديم الرعاية الصحية في عُمان منهج الرعاية الصحية الأولية، مع مسارات إحالة محددة بوضوح بين ثلاثة مستويات من الرعاية: الأولية والثانوية والثلاثية. تدير وزارة الصحة 167 مركزاً صحياً، منها 74 بها أسرة ولادة و21 مركزاً صحياً موسعاً، بالإضافة إلى 49 مستشفى (84.5% من إجمالي المستشفيات) مع 84.1% من سعة الأسرة في عُمان.
الإنجازات والتحديات الصحية المعاصرة
حقق النظام الصحي العماني إنجازات مبهرة في المؤشرات الصحية على مدى العقود الماضية، حيث تضاهي مؤشرات الصحة العمانية تلك الخاصة بالدول المتقدمة. هذا التحول الصحي تم تحقيقه في فترة زمنية قصيرة نسبياً وبتكلفة متواضعة مقارنة بالنتائج المحققة.
تواجه عُمان اليوم تحديات صحية جديدة تتطلب استراتيجيات مبتكرة، منها نقص علماء النفس الإكلينيكيين المدربين، مما قد يعيق تقديم خدمات الصحة النفسية عن بُعد مثل الاستشارة النفسية. كما تشكل معدلات الانتشار العالية لبكتيريا المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) بين العاملين في مجال الرعاية الصحية تحدياً كبيراً لمكافحة العدوى واستدامة الرعاية الصحية.
كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقاط ضعف في النظام الصحي العماني، خاصة الاعتماد الكبير على العمالة المهاجرة في القطاع الصحي وعدم وجود تأمين صحي للعمال المهاجرين. أدت إجراءات الإغلاق والقيود على الحركة إلى تأثيرات سلبية على الخدمات الصحية الروتينية، مما انعكس في معدلات الوفيات الزائدة التي بلغت 15% خلال السنة الأولى من الجائحة
رؤية الصحة 2050
وضعت وزارة الصحة العمانية خطة طويلة المدى للنظام الصحي تُعرف بـ”رؤية الصحة 2050″، والتي تهدف إلى وضع عُمان كرائدة إقليمية ومركز للبحوث الصحية بمعايير عالمية. تشمل هذه الرؤية الطويلة المدى جوانب مختلفة من الرعاية الصحية، مثل تطوير وتقدم خدمات رعاية السرطان والتأكيد على أهمية إعطاء الأولوية لبحوث الصحة لاستغلال الموارد المتاحة بشكل أفضل والتخطيط للمستقبل.
تركز الرؤية على معالجة التحديات الحالية وتنفيذ إصلاحات في النظام الصحي لضمان الاستدامة والجودة. تتطلب هذه الرؤية جهوداً مشتركة بين الجهات الحكومية وغير الحكومية لتعزيز القدرات الحوكمية للتخطيط والتنفيذ وإنفاذ تفويضات التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.
التحول الرقمي والتكنولوجيا
الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي
تضع عُمان التحول الرقمي كركيزة أساسية في أجندة التحول الاقتصادي ضمن رؤية عُمان 2040، مع مبادرات استراتيجية متنوعة تهدف إلى زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من مستواه الحالي البالغ حوالي 2% إلى 10% بحلول عام 2040. يسعى برنامج التحول الرقمي الحكومي 2021-2025 إلى بناء مجتمع معرفي مستدام ورفع الإنتاجية والكفاءة في القطاع العام من خلال بناء القدرات الوطنية وتعزيز البنية التحتية وتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات.
تشمل أجندة التحول الرقمي العماني مجموعة واسعة من المجالات، منها: برنامج الحكومة الرقمية، وبرنامج البنية التحتية الرقمية، وبرنامج الصناعة الرقمية، وبرنامج التجارة الإلكترونية، وبرنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وبرنامج الفضاء، وبرنامج التكنولوجيا المالية. كل برنامج من هذه البرامج له أهداف محددة لتحقيقها خلال إطار زمني معين، مثل زيادة عدد الشركات الناشئة المتخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بنسبة 20% سنوياً
الإنجازات والفجوات الحالية
حققت عُمان تقدماً ملحوظاً في بعض جوانب التحول الرقمي، مثل انتشار الإنترنت والتغطية بشبكات الجيل الرابع والخامس، حيث تحتل مراتب متقدمة عالمياً. وصل معدل انتشار الإنترنت إلى حوالي 98% من السكان في أوائل عام 2024، مما يجعله من أعلى المعدلات في العالم، بينما وصلت الاتصالات الخلوية النشطة إلى ما يعادل 151% من إجمالي السكان.
رغم هذا التقدم، تبقى هناك فجوات مهمة تحتاج إلى معالجة لمواكبة دول مجلس التعاون الخليجي في عدة جوانب أخرى. سرعة الاتصال بالإنترنت المتوسطة عبر الهاتف المحمول (الثابت) تبلغ 77 (71) ميجابت في الثانية في أبريل 2024، مما يضع عُمان في المرتبة 38 عالمياً وبعيداً عن أقرانها في مجلس التعاون الخليجي، ثلاثة منهم حاصلون على مراتب الميداليات العالمية.
تتطلب الحاجة جهوداً إضافية لرفع سرعة الاتصال بالإنترنت، وزيادة انتشار مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة بين السكان، والدفع بالابتكار الرقمي، وتعزيز التجارة الإلكترونية. النطاق الترددي الدولي المحدود نسبياً مقارنة بالدول المجاورة قد يؤثر على القدرة التنافسية الإقليمية لعُمان من خلال إثناء الشركات التقنية والمشغلين كثيفي استخدام النطاق الترددي عن تأسيس عملياتهم في عُمان.
مبادرات الحكومة الإلكترونية
تم رقمنة المشتريات الحكومية في عُمان بالكامل، كجزء من جهود الحكومة لاحتضان التحول الرقمي لتعزيز الشفافية والكفاءة في عملياتها. أكمل مجلس المناقصات العماني مؤخراً رقمنة جميع عمليات المناقصات والمشتريات في القطاع الحكومي، مما يجعل من الممكن للجهات الحكومية إعداد وطرح وتقييم ومنح المناقصات عبر الإنترنت.
تشمل المبادرات الجديدة لزيادة نشر البيانات ومشاركة المواطنين إطلاق بوابة الخدمات الحكومية الإلكترونية وبوابة البيانات المفتوحة العمانية، مما يشهد على التزام السلطات بتسريع رقمنة الحكومة ويعزز موقف عُمان الإقليمي والعالمي في مؤشرات الحكومة الإلكترونية. هذه التطورات تعكس رؤية شاملة لتحويل الخدمات الحكومية إلى منصات رقمية متطورة وسهلة الاستخدام.
التحديات البيئية والمناخية
التأثيرات المناخية الحالية والمستقبلية
تواجه سلطنة عُمان تحديات بيئية ومناخية متزايدة تهدد التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي. عُمان قاحلة في معظمها، حيث تتلقى معظم أراضيها أقل من 100 ملليمتر من الأمطار سنوياً، بينما تستفيد بعض المناطق مثل جبال ظفار من الأمطار الموسمية. تتنبأ النماذج المناخية بزيادة في درجات الحرارة تتراوح بين 2-4 درجات مئوية بحلول عام 2050، مصحوبة بهطول أمطار غير منتظم ومنخفض.
شهدت درجات الحرارة في شمال عُمان ارتفاعاً يصل إلى 1.7 درجة مئوية، بينما ارتفعت في الجنوب بمقدار 1.2 درجة مئوية، وهو ما يُعتبر تغيراً جذرياً. كما شهدت عُمان ارتفاعاً في مستوى سطح البحر بمقدار 2-3 ملليمتر خلال العقود القليلة الماضية، مما له تداعيات مثل فقدان الموائل وتدهورها مع تأثيرات سلبية إضافية على سبل العيش الساحلية والنظم البيئية.
من المتوقع أن تشهد عُمان متوسط زيادة في درجة حرارة السطح قدرها +4 درجات مئوية بحلول عام 2100، وانخفاض في هطول الأمطار الشهرية، وزيادة في متوسط مؤشر الجفاف. هذه التغيرات المناخية تزيد من شدة وتكرار الأحداث الجوية المتطرفة مثل الأعاصير المدارية والفيضانات المفاجئة وموجات الحر.
التحديات البيئية والموارد المائية
تُصنف عُمان ضمن البلدان الأكثر ندرة في المياه في العالم، مما يشكل حاجزاً حرجاً أمام المرونة الزراعية والتنويع الاقتصادي. يعتمد الري بشكل كبير على مصادر المياه الجوفية المستنزفة، بما في ذلك أنظمة الأفلاج التقليدية، والتي يتراجع العديد منها. الآبار غير القانونية مع المضخات الكهربائية تستنزف المياه الجوفية، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية ويضر بأنظمة الري التقليدية ويدمر مزارع الواحات.
التحضر السريع وتوسع المناطق السكنية أدى إلى تناقص الأراضي الزراعية والمستوطنات التقليدية. التوسعات الحضرية تتعدى على الأراضي الزراعية والمواقع التراثية، حيث تتزايد المصالح التجارية في الأراضي القابلة للبناء بسبب النمو الاقتصادي والمضاربة العدوانية على الأراضي من قبل المطورين متعددي الجنسيات والمستثمرين المحليين.
التلوث البيئي يشكل تحدياً متزايداً، حيث تُخزن مياه الصرف الصحي في خزانات الصرف الصحي لتفريغها بانتظام، ولكن التسريبات تلوث المياه الجوفية وتلوث الأنهار الجافة. كما أن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة والنقل يساهم في انبعاثات غازات الدفيئة، حيث نمت الانبعاثات بمعدل سنوي يبلغ 10% في المتوسط، متجاوزة نمو السكان.
الاستراتيجيات البيئية والتخفيف
تُوجه الاستراتيجيات البيئية في عُمان من خلال خمس وثائق رئيسية: المساهمة المحددة وطنياً، ورؤية عُمان 2040، والاستراتيجية الوطنية للتكيف والتخفيف من تغير المناخ (2020-2040)، والاستراتيجية الوطنية للانتقال المنظم إلى الصفر الصافي، واسترتيجية الهيدروجين الأخضر. البلاد لا تزال تطور خطط التكيف الوطنية بدعم من صندوق المناخ الأخضر.
تضع المساهمة المحددة وطنياً المحدثة لعُمان هدفاً أعلى لتقليل صافي انبعاثات غازات الدفيئة من النسخة السابقة، حيث تسعى إلى تقليل الانبعاثات بنسبة 21% من سيناريو العمل كالمعتاد في عام 2030 (7% ملتزم و14% مشروط)، مقارنة بـ 7% إجمالي للهدف السابق. هذا الهدف الجديد مشروط بالتمويل المناخي الدولي وتفعيل المادة 6 في اتفاقية باريس ونقل التكنولوجيا ودعم برامج بناء القدرات
تتطلب معالجة هذه التحديات البيئية والمناخية تضافر الجهود بين الجهات الحكومية وغير الحكومية لتعزيز القدرات الحوكمية للتخطيط والتنفيذ وإنفاذ تفويضات التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات شاملة تدمج التنمية الاقتصادية مع الاستدامة البيئية لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.[18]
Traditional Omani village nestled among palm groves and rocky mountains illustrating rural community life.
الخاتمة: آفاق المستقبل والتوصيات
يقف المجتمع العماني اليوم عند مفترق طرق مهم في تاريخه الحديث، حيث يواجه تحديات معقدة تتطلب حلولاً مبتكرة ومتكاملة لضمان استمرار النهضة التنموية المستدامة. التحولات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها السلطنة خلال العقود الخمسة الماضية وضعت أسساً قوية للتقدم، لكنها أيضاً أبرزت تحديات جديدة تحتاج إلى معالجة عاجلة وفعالة.
مع ذلك، تتطلب التحديات الراهنة استراتيجيات متطورة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار التغيرات العالمية والإقليمية. ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والنساء، والحاجة إلى تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي، والتحديات البيئية والمناخية، كلها قضايا تتطلب حلولاً عاجلة ومستدامة. كما أن ضرورة تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة والاقتصادية، وتطوير النظام التعليمي ليواكب متطلبات العصر الرقمي، تمثل أولويات استراتيجية للمرحلة القادمة.
النجاح في مواجهة هذه التحديات يتطلب تضافر جهود جميع مكونات المجتمع العماني – الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين – في إطار رؤية مشتركة للمستقبل. رؤية عُمان 2040 توفر الإطار الاستراتيجي المناسب لهذا التحول، لكن تحقيق أهدافها يتطلب التزاماً قوياً بالإصلاح والتطوير المستمر في جميع المجالات. المجتمع العماني، بتاريخه العريق وثقافته المتسامحة وشبابه المتعلم، يملك كل المقومات اللازمة لتحقيق نقلة تنموية جديدة تضعه في مقدمة الدول المتقدمة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.







