منْ سجايا الطُّلولِ ألاَّ تُجيبا قصيدة أبو تمام
منْ سجايا الطُّلولِ ألاَّ تُجيبا – أبو تمام
منْ سجايا الطُّلولِ ألاَّ تُجيبا … فصَوابٌ مِن مُقْلَة ٍ أَنْ تَصُوبَا
فاسألنها، واجعلْ بُكاكَ جواباً … تجد الشَّوقَ سائلاً ومُجيبا
قدْ عهدنا الرُّسومَ وهيَ عُكاظٌ … لِلصبَى تَزْدَهِيكَ حُسْناً وطِيبَا
أكْثَرَ الأَرضِ زَائراً وَمَزُوراً … وصعوداً من الهوى وصبُوبا
وكعاباً كأنَّما ألبستها … غفلاتُ الشَّبابِ بُرداً قشيبا
بَيَّنَ البَيْنُ فَقْدَها قَلَّمَا تَعْـ … ـرِفُ فَقْداً للشَّمْسِ حَتَّى تَغِيبا
لعبَ الشَّيبُ بالمفارقِ بلْ جـ … ـدَّ فأَبْكَى تُماضِراً وَلَعُوبَا
خضبتْ خدَّها إلى لؤلؤ العقـ … ـدِ دماً أنْ رأتْ شواتي خضيبا
كلُّ داءٍ يُرجى الدَّواءُ لهُ إلا … الفظيعينِ: ميتة ً ومشيبا
يا نسيبَ الثَّغامِ ذنبك أبقى … حسناتي عند الحسانِ ذُنوبا
وَلئِنْ عِبْنَ مَا رَأيْنَ لَقَدْ أَنْـ … ـكرنَ مُستنكراً وعبنَ معيبا
أَو تَصَدَّعْنَ عَنْ قِلًى لَكَفَى بالشَّـ … ـيب بيني وبينهنَّ حسيبا
لَوْ رَأَى اللَّهُ أن لِلشَّيْبِ فَضْلاً … جاورتهُ الأبرارُ في الخُلدِ شيبا
كُلَّ يوم تُبدي صُرُوفُ اللَّيالي … خُلُقاً مِن أَبِي سَعِيدٍ رَغيبَا
طابَ فيهِ المَدِيحُ والتَذَّ حَتَّى … فاقَ وصفَ الدِّيارِ والتَّشبيبا
لو يُفاجا رُكنُ النَّسيب كثيرٌ … بِمَعَانِيهِ خَالَهُنَّ نَسِيبَا
غَرَّبَتْهُ العُلَى على كثرة ِ النَّا … سِ، فَأَضْحَى في الأَقْرَبينَ جَنِيبا
فليَطُلْ عُمْرُهُ، فَلَوْ مَاتَ في مَرْ … و مُقيماً بها لماتَ غريبا
سَبَقَ الدَّهْرَ بالتلاَدِ ولم يَنْـ … ـتَظِرِ النَّائِبَاتِ حَتَّى تَنُوبَا
فإِذَا مَا الخُطُوبُ أَعفَتْهُ كَانَتْ … راحتاهُ حوادثاً وخطوبا
وصليبُ القناة ِ والرأي والإسْـ … ـلاَمِ، سَائِلْ بِذَاكَ عَنْهُ الصَّلِيبَا
وَعَّرَ الدينَ بالجِلاَدِ وَلكِـ … ـنَّ وعُوُرَ العدوِّ صارتْ سُهوبا
فدروبُ الإشراكِ صارتْ فضاءً … وَفَضَاءُ الإسلاَمِ يُدْعَى دُرُوبا
قَدْ رَأوْهُ وهْوَ القَريْبُ بَعِيداً … ورَأوْهُ، وَهْوَ البَعِيدُ، قَريبَا
سكَّنَ الكيد فيهمُ إنَّ من أعـ … ـظَم إِرْبٍ أَلاَّ يُسَمَّى أَريبا
مكرُهُمْ عندهُ فصيحٌ وإنْ همْ … خاطبوا مكرهُ رأوهُ جليبا
ولعمرُ القنا الشَّوارع تمري … مِنْ تِلاَع الطُّلَى نَجيعاً صبيبَا
في مَكَرٍّ للرَّوْعِ كُنْتَ أَكيلاً … للمنايا في ظلِّه وشريبا
لَقَدِ انصَعْتَ والشتَاءُ لَهُ وَجْـ … ـهٌ يراهُ الكُماة ُ جهماً قَطُوَبا
طَاعِناً مَنْحَرَ الشَّمَالِ مُتِيحاً … لِبلاَدِ العَدُو مَوْتاً جَنُوبَا
في لَيَالٍ تَكَادُ تُبْقِي بِخَد الشَّمْـ … ـسِ منْ ريحها البليلِ شُحوبا
سبراتٍ إذا الحروبُ أُبيختْ … هَاجَ صِنَّبْرُهَا فَكَانَتْ حُروبَا
فَضَربْتَ الشتَاءِ في أخدَعَيْهِ … ضرْبَة ً غَادَرَتْهُ عَوْداً رَكُوبَا
لوْ أصخنا من بعدها لسمعنا … لِقُلُوبِ الأيَّام مِنِك وَجيبَا
كُلُّ حِصْنٍ مِن ذِي الكَلاَعِ وَأَكْشو … ثَاءَ أَطلَقْتَ فيهِ يَوْماً عصيبَا
وصليلاً منَ السُّيوفِ مُرنّاً … وشهاباً منَ الحريق ذنوبا
وأرادوكَ بالبياتِ ومنْ هـ … ـذا يُرادي مُتالعاً وعسيبا
فَرَأوْا قَشْعَمَ السيَاسَة ِ قَد ثَقَّـ … ـفَ منْ جُندهِ الَقَنا والقلوبا
حَيَّة ُ اللَّيْلِ يُشْمِسُ الحَزْمُ مِنهُ … إِنْ أَرَادَتْ شَمْسُ النَّهارِ الغُروبَا
لوْ تقصَّوْا أمرَ الأزارقِ خالوا … قَطَرِياً سَمَا لَهُمْ أَوْ شَبِيبَا
ثُمَّ وَجَّهْتَ فَارِسَ الأَزْدِ وَالأَوْ … حَدَ في النُّصْحِ مَشْهَداً وَمَغِيبَا
فَتَصَلَّى محمدُ بن مَعَاذٍ … جمرة َ الحربِ وامترى الشُّؤبوبا
بالعَوالِي يَهتِكْنَ عَنْ كُل قَلْبٍ … صَدْرَهُ أَوْ حَجَابَهُ المَحْجُوبَا
طلبتْ أنفسَ الكُماة ِ فشقَّتْ … مِن وَراءِ الجُيُوبِ مِنهُمْ جُيُوبَا
غَزْوَة ٌ مُتْبعٌ ولَوْ كَانَ رَأْيٌ … لمْ تفزَّدْ بهِ لكانت سلوبا
يَوْمَ فَتْحٍ سَقَى أُسُودَ الضَّواحي … كُثَبَ المَوْتِ رَائِباً وحَليبا
فإِذَا مَا الأَيَّامُ أَصْبَحْنَ خُرْساً … كُظَّماً في الفخارِ قامَ خطيبا
كان داءَ الإشراكِ سيفكَ واشـ … ـتَدَّتْ شَكَاة ُ الهُدَى ، فَكنْتَ طَبِيبَا
أَنْضَرَتْ أَيْكَتِي عَطَايَاكَ حَتَّى … صار ساقاً عُودي وكانَ قضيبا
مُمطراً لي بالجاه والمالِ لا ألـ … ـقاك إلاَّ مُستوهباً أوْ وهوبا
فإِذَا ما أَرَدْتُ كُنْتَ رِشَاءً … وإِذَا ماأَرَدْتُ كُنْتَ قَلِيبَا
باسطاً بالنَّدى سحائبَ كفٍّ … بنداها أمسى حبيبٌ حبيبا
فإذا نعمة ُ امرئِ فركتهُ … فاهتَصِرْها إِليْك ولْهَى عَرُوبا
وإِذَا الصُّنْعُ كانَ وَحْشاً فَمُلـ … ـيتَ برغمِ الزَّمانِ صُنعاً ربيبا
وَبقَاءً حَتى يَفُوتَ أَبو يَعـ … ـقُوبَ في سِنهِ أَبَا يَعقُوبَا