أبو تمام

أرضٌ مصردة ٌ وأخرى تثجمُ قصيدة أبو تمام

أرضٌ مصردة ٌ وأخرى تثجمُ – أبو تمام


أرضٌ مصردة ٌ وأخرى تثجمُ … منها التي رزقتْ وأخرى تُحرمُ

فإذا تَأمَّلتَ البلادَ رَأَيْتَها … تثري كما تُثري الرجالُ وتُعدمُ

حظٍّ تعاوره البقاعُ لوقته … وادٍ به صفرٌ ووادٍ مفعمُ

لولاه لم تكن النبوة ُ ترتقي … شرف الحجاز ولا الرسالة تتهمُ

ولذاك أعرقت الخلافة ُ بعدما … عمرتْ عصوراً وهي علقٌ مشئمُ

وبهِ رأَيْنَا كَعْبَة َ اللهِ التي … هيَ كوكَبُ الدُّنيا تُحِلُّ وتُحْرِمُ

تلكَ الجَزيرة ُ مُذْ تَحَمَّلَ مالِكٌ … أمست وبابُ الغيث عنها مبهمُ

ولعتْ قراها غبرة ٌ ولقد تُرى … في ظلِّه وكأنما هيَ أنجمُ

غنيتْ زماناً جنة ً فكأنما … فتحتْ إليها منذُ سارَ جهنَّمُ

الجوُّ أكلفُ والجنابُ لفقدهِ … مَحْلٌ وَذَاكَ الشقُّ شِقٌّ مُظْلِمُ

أقَوَتْ فلمْ أذكُرْ بها لمَّا خَلتْ … إلا مني لمَّا تقضى الموسمُ

ولقد أراها وهيَ عرسٌ كاعبٌ … فاليَوْمَ أضحَتْ وهْيَ ثَكلى أَيمُ

إذْ في ديارِ ربيعة َ المطرُ الحيا … وعلى نَصيبينَ الطَّريقُ الأَعْظَمُ

ذلَّ الحمى مذْ أوطئتْ تلكَ الربا … والغابُ مذْ أخلاهُ ذاك الضيغمُ

إنَّ القِبَابَ المُسْتَقِلَّة َ بَيْنَها … ملكٌ يطيبُ به الزمان ويكرمُ

لا تألفُ الفحشاءُ برديهِ ولا … يسري إليه مع الظلامِ المأثمُ

متبذلٌ في القومِ وهو مبجلٌ … متواضعٌ في الحيِّ وهوَ معظَّمُ

يعلو فيعلمُ أنَّ ذلك حقهُ … ويذيلُ فيهم نفسه فيكرَّمُ

مَهْلاً بَني عَمْرِو بن غَنم إنكم … هَدَفُ الأسِنَّة والقَنا يَتحَطَّمُ

المَجْدُ أعنَقُ والديَارُ فسيحَة ٌ … والعزُّ أقعسُ والعديدُ عرمرمُ

ما منكمُ إلا مردى بالحجا … أَو مُبْشَرٌ بالأحوَذِيَّة ِ مُؤْدَمُ

عَمْرَو بن كُلثُومِ بن مالكٍ بن عَتَّ … ابِ بن سَعْدٍ سَهْمُكُمْ لا يُسْهَمُ

خُلِقَتْ رَبيعة ُ مُذْ لَدُنْ خُلِقَتْ يَداً … جُشَمُ بنُ بَكرٍ كَفٌّها والمِعْصَمُ

تَغْزُو فتَغْلِبُ تغلبٌ مِثْلَ اسمها … وتَسِيحُ غَنْمٌ في البلا فَتَغْنَمُ

وستذكرونَ غداً صنائعَ مالكٍ … إِنْ جَلَّ خَطْبٌ أَوْ تُدُوفعَ مَغْرَمُ

فمَنِ النَّقِيُ مِنَ العُيُوب وقَدْ غدَا … عَنْ دارِكُمْ ومَن العَفِيفُ المُسْلِمُ 

ما لي رَأَيْتُ تُرَابَكمْ يَبَسَاً لَهُ … مالي أرى أطوادَكُمْ تتهدَّمُ؟

ما هذهِ القربى التي لا تُصطفى … ما هذهِ الرحِمُ التي لا تُرحمُ؟

حَسَدُ القَرَابَة ِ لِلقَرَابة ِ قَرْحَة ٌ … أعيَتْ عَوَانِدُها وجُرْحٌ أقْدَمُ

تِلْكُمْ قُرَيْشٌ لم تكُنْ آرَاؤَهَا … تهفو ولا أحلامُها تتقسَّمُ

حتى إذا بعثَ النبي محمدٌ … فيهم غدتْ شحناؤهُمْ تتضرَّمُ


عزبتْ عقولهُمُ وما من معشرٍ … إلا وهُمْ منهُ ألبُّ وأحزَمُ

لما أقامَ الوحيُ بينَ ظهورهمْ … ورَأَوا رَسُولَ اللهِ أَحْمَدَ مِنْهُمُ

ومن الحزامة ِ لوْ تكونُ حزامة ٌ … أَلاَّ يُؤَخَّرَ مَنْ بهِ يُتقَدَّمُ

إِنْ تَذْهبُوا عِن مالِكٍ أَو تَجْهَلُوا … نُعْمَاهُ فالرَّحِمُ القَريبَة ُ تَعْلَمُ

هيَ تِلْكَ مُشْكَاة ٌ بِكُمْ لَوْ تِشْتَكِي … مَظْلُومَة ٌ لَوْ أَنَّها تَتَظلَّمُ

كانتْ لكُمْ أخلاقُهُ معسولة ً … فتركتموها وهيَ ملحٌ علقمُ

حَتَّى إذا أجنَتْ لكُمْ دَاوَتْكُمُ … منْ دائكُمْ إنَّ الثقافَ يقوِّمُ

فقسا لتزدجروا ومنْ يكُ حازماً … فَليَقْسُ أحياناً وحيناً يَرْحَمُ

واخافَكُمْ كي تُغْمِدُوا أسيافَكُمْ … إنَّ الدمَ المغترَّ يحرسُهُ الدَّمُ

ولقدْ جهدتُمْ أن تزيلُوا عِزَّهُ … فإذا أَبانٌ قَدْ رَسَا ويَلَمْلَمُ

وطعنتمُ في مجدِهِ فثنتكُمُ … زُعْفٌ يُفَلُّ بها السنَانُ اللَّهْذَمُ

أعززْ عليهِ إذا ابتَأَسْتُمْ بَعْدَهُ … وتذُكّرتْ بالأمسِ تلكَ الأنعمُ

ووَجدْتُمُ قَيْظَ الأَذَى ورَمَيْتُمُ … بعيونكُمْ أينَ الربيعُ المرهمُ

وندمتمُ ولوِ استطاعَ على جوى … أحشَائكُمْ لَوَقَاكُمُ أَنْ تَنْدَمُوا

ولَو انَّها مِنْ هَضْبَة ٍ تَدْنُو لَهُ … لدنا لها أو كانَ عرقٌ يُحْسمُ

ما ذُغْذِغَتْ تلكَ السُّرُوبُ وأصبَحَتْ … فرقين في قرنين تلكَ الأسهمُ

ولقَدْ عَلِمْتُ لَدُنْ لَجَحْتُمِ أَنَّهُ … ما بَعْدَ ذَاكَ العُرْسِ إِلاَّ المأْتَمُ

علماً طلبتُ رسومهُ فوجدتُها … في الظنِّ، إنَّ الألمعيَّ مُنَجِّمُ

ما زلْتُ أعرِفُ وَبْلَهُ مِن عارِضٍ … لمَّا رأيتُسماءَهُ تتغيَّمُ

يا مالِ قدْ علمتْ نزارٌ كلها … ما كانَ مثلكَ في الأراقمِ أرقمُ

طَالَتْ يَدِي لَمَّا رَأيتُكَ سالِماً … وانحَتَّ عَنْ خَدَّيَّ ذَاكَ العِظْلِمُ

وشممتُ تربَ الرحبة ِ العبقِ الثرى … وسقى صدايَ البحرُ فيها الخضرمُ

كَمْ حَلَّ في أكنَافِها مِنْ مُعْدِمٍ … أمسى به يَأوِي إليهِ المُعْدِمُ

وصَنِيعَة ٍ لكَ قَدْ كَتَمْتَ جَزيلَها … فأبى تضوُّعها الذي لا يكتمُ

مجدٌ تلوحُ فضولهُ وفضيلة ٌ … لكَ سافِرٌ والحقُّ لا يَتَلَثُّمُ

تَتَكَلَّفُ الجُلَّى ومَنْ أضحَى له … بيتاكَ في جشمٍ فلا يتجشَّمُ

وتشرَّفُ العليا وهلْ بكَ مذهبٌ … عنها وأنتَ على المكارم قَيمُ؟

أثنيتُ إِذْ كانَ الثَّنَاءُ حِبَالَة ً … شركاً يصادُ به الكريمُ المنعمُ

ووفيتُ إنَّ من الوفاء تجارة ً … وشكرتُ إنَّ الشكرَ حرتٌ مُطعمُ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page