أبو تمام

أطلالهمْ سلبتْ دماها الهيفا قصيدة أبو تمام

أطلالهمْ سلبتْ دماها الهيفا – أبو تمام


أطلالهمْ سلبتْ دماها الهيفا … واستبدلتْ وحشاً بهنَّ عكوفا

يا مَنْزِلاً أعْطَى الْحَوَادِثَ حُكْمَها … لا مَطّلَ في عِدة ٍ ولا تَسْويفَا

أَرْسَى بنَادِيك النَّدى وتَنَفَّسَتْ … نفساً بعقوتكَ الرياحُ ضعيفا

شعفَ الغمامُ بعرصتيكَ وربما … رَوَّتْ رُبَاكَ الهَائِمَ المَشْعُوفَا

ولَئِنْ ثَوَى بكَ مُلْقِياً أَجْرَامَهُ … ضيفُ الخطوبِ لقدْ أصابَ مضيفا

وهيَ الحوادثُ لم تزلْ نكباتها … يأْلَفْنَ رَبْعَ المَنْزِلِ المَأْلُوفَا

خَلَفتْ بِعَقْوَتِكَ السنونَ وطَالَما … كانتْ بناتُ الدهرِ عنكَ خلوفا

أيامَ لا تسطو بأهلكَ نكبة ٌ … إِلاَّ تَرَاجَعَ صَرْفُها مَصْرُوفَا

وإذا رمتكَ الحادثاتُ بلحظة ٍ … رَدَّتْ ظِبَاؤُكَ طَرِفَها مطْرُوفَا

منْ كلِّ مطعمة ِ الهوى جعلتْ لها … مناً موداتُ القلوبِ وقوفا

ورفيقة ِ اللحظاتِ يعقبُ رفقها … بطشاً بمغترِّ القلوبِ عنيفا

جُزْنَ الصفَاتِ رَوَادِفاً وسَوَالِفاً … ومحاجراً ونواظراً وأنوفا

كنَّ البدورَ الطالعاتِ فأوسعتْ … عنا أفولاً للنوى وكسوفا

آرامُ حَيٍّ أَنْزَفَتْهم نِيَّة ٌ … تَرَكَتْكَ مِنْ خَمْرِ الفِرَاقِ نَزِيفَا

كَانُوا بُرُودَ زَمانِهمْ فَتَصَدَّعوا … فكأنَّما لبِسَ الزَّمانُ الصُّوفَا

خُلُقَ الزَّمانِ الْفَدْمِ عَادَ ظَريفَا … كانَ المُمَنَّعَ أخْدَعاً وصَلِيفَا

عاقدتُ جودَ أبي سعيدٍ إنه … بدنَ الرجاءُ بهِ وكانَ نحيفا

وعَزَزْتُ بالسَّبُعِ الذي بزئيرِه … أمستْ وأصبحت الضغورُ غريفا

قَطَبَ الخُشُونَة َ والليَانَ بِنَفْسِهِ … فغدا جليلاً في القلوبِ لطيفا

فإذا مشى يمشي الدفقى أو سرى … وصَلَ السُّرَى أو سارَ سَارَ وَجِيفَا

هَزَّتْه مُعضِلَة ُ الأُمور وهَزَّها … وأخيفَ في ذاتِ الإلهِ وخيفا

يَقْظَانُ أحصَدَتِ التَّجاربُ حَزْمَهُ … شَزْراً وثُقّفَ عَزْمُه تَثْقِيفَا

واستلَّ منْ آرائهِ الشعلَ التي … لو أنَّهُنَّ طُبعْنَ كُنَّ سُيُوفَا

كَهْلُ الأناة ِ فَتَى الشَّذَاة ِ إذَا غَدَا … لِلحَرْبِ كانَ القَشْعَمَ الغِطْريفَا

وأَخُو الفَعالِ إذا الفَتَى كلُّ الفَتَى … في الباسِ والمعروفِ كان خليفا


كمْ منْ وساعِ الجودِ عندي في الندى … لَمَّا جَرَى وجَريتَ كانَ قَطُوفا

أَحسَنْتُما صَفَدِي، وَلِكنْ كنتَ لي … مثلَ الربيعِ حياً وكانَ خريفا

وكلاكما اقتعدض العلى فركبتها … في الذرْوَة ِ العُلْيَا وجَاءَ رَدِيفَا

إنْ غاضَ ماءُ المزنِ فضت وإنْ قست … كبدُ الزمانِ عليَّ كنتَ رؤوفا

وإذا خلائقهم نبتْ أو أجدبتْ … أنشأتَ تمهدُ لي خلائقَ ريفا

ومواهباً مطلوبة ً ملحوقة ً … تذرُ الشريفَ بفضلها مشروفا

تَكْفِي بها نَهَلَ البَلاءِ وَعَلَّهُ … عند السؤالِ مصارعاً وحتوفا

اسمَعْ، أقَامَتْ في دِياركَ نِعْمَة ٌ … خَضْرَاءُ ناضِرَة ٌ تَرفُّ رَفِيفَا

رَيَّا إِذَا النعَمُ انتَقَلْنَ تَخَيّمَتْ … وإذا نفرنَ غدتْ عليكَ ألوفا

أنا ذو كساكَ محبة ً لا خلة ً … حِبَرَ القَصائِدِ فوفَتْ تَفْويفَا

مُتَنَخلٌ حَلاَّكَ نَظْمَ بدائعٍ … صارتْ لآذانِ الملوكِ شنوفا

وافٍ إذا الإحسانُ قنعَ لم يزلْ … وَجْهُ الصنيعة ِ عنْدَه مَكشوفَا

وإِذَا غَدَا المعرُوفُ مَجْهُولاً غَدا … معروفُ كفكَ عندهث معروفا

هذا إلى قدمِ الذمامِ بكَ الذي … لَوْ أَنَّهُ وَلَدٌ لكَانَ وَصِيفَا

وَحِشاً تُحرقُه النَّصِيحَة ُ والهَوَى … لَوْ أَنَّه وَقْتٌ لكانَ مَصِيفَا

ومقيلُ صدرٍ فيكَ باق روعهُ … لو أنهُ ثغرٌ لكانَ مخوفا

ولئِنْ أَطَلْتُ مَدَائحي لَبِنَائِلٍ … لكَ لَيْسَ مَحْدُوداً ولا مَوْصُوفَا

خفضتَ عني الدهر بعد ملمة ٍ … تَرَكَتْ لِنَابيْهِ عَليَّ صَرِيفَا

عَمْرِيُّ عُظْمِ الدينِ جَهْمِيُّ النَّدَى … ينفي القوى ويثبتُ التكليفا

سأقولُ قولة َ ناصحٍ لكَ ينتحي … قلباً نقياً في رضاكَ نظيفا

لكَ هضبة ُ الحلمِ التي لوْ وازنتْ … أجأً إذاً ثقلتْ وكانَ خفيفاً

وحلاوة ُ الشيم التي لوْ مازجتْ … خلقض الزمانِ الفدمِ عادَ ظريفا

وأرَاكَ في أَرْضِ الأعادي غَازياً … ما تستفيقُ يبوسة ً وجفوفا

إنْ كانَ بالورعِ ابتنى القومُ العلى … أوْ بالتقى صارَ الشريفُ شريفا

فعلامَ قدمَ وهوَ زانٍ عامرٌ … وأميطَ علقمة ٌ وكان عفيفا؟

وَبَنى المَكارِمَ حاتِمٌ في شِرْكِهِ … وسواهُ يهدمها وكانَ حنيفا؟


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page