أبو تمام

أمَّا الرُّسُومُ فقد أذكَرْنَ ما سَلَفَا قصيدة أبو تمام

أمَّا الرُّسُومُ فقد أذكَرْنَ ما سَلَفَا – أبو تمام


أمَّا الرُّسُومُ فقد أذكَرْنَ ما سَلَفَا … فَلا تَكُفَّنَّ عَنْ شَأْنَيْكَ أَوْ يَكِفَا

لا عذرَ للصبِّ أنْ يقنى الحياءَ ولا … للدمعِ بعدَ مضيِّ الحيِّ أنْ يقفا

حَتَّى يَظَلَّ بماءٍ سافِحٍ ودمٍ … في الربعِ يحسبُ منْ عينيهِ قد رعفا

وفي الخدورِ مهاً لو أنها شعرتْ … إذاً ظغتْ فرحاً أو أبلستْ أسفا

لآلىء ُ كالنجومِ الزهرِ قد لبستْ … أَبشَارُها صَدَفَ الإحسان لا الصَّدفَا

منْ كلِّ خودٍ دعاها البينُ فابتكرتْ … بكراً ولكنْ غدا هجرانها نصفا

لا أَظْلِمُ النَّأْيَ قَدْ كانَتْ خلاَئِقُها … منْ، قبل وشكِ النوى عندي نوى ً قذفا

غَيْدَاءُ جَادَ وَلِيُّ الحُسْنِ سُنَّتَها … فصَاغَها بِيَدَيْهِ رَوْضَة ً أُنُفَا

مصقولة ٌ سترتْ عنا ترائبها … قَلْباً بَرئياً يُنَاغِي ناظِراً نَطِفَا

يُضْحِي العَذُولُ على تَأنِيِبه كَلِفاً … بعُذْرِ مَنْ كانَ مَشْغُوفاً بها كَلِفا

ودعْ فؤادكَ توديعَ الفراقِ فما … أَراهُ مِنْ سَفَرِ التَّوْدِيعِ مُنْصَرفا

يُجَاهِدُ الشَّوْقَ طَوْراً ثُمَّ يَجْذِبُه … جِهَادُه للقَوافِي في أَبِي دُلفَا

بِجُودِهِ انصاتَتِ الأَيَّامُ لابِسَة ً … شَرْخَ الشبابِ وكانت جِلَّة ً شُرُفا

حتَّى لوَ انَّ اللَّيالي صُورَتْ لَغَدَتْ … أَفْعالُه الغُرُّ في آذَانِها شُنُفَا

إِذَا عَلاَ طَوْدَ مَجْدٍ ظَلَّ في نَصَبٍ … أو يَعْتَلي مِنْ سِواه ذِروة ً شَعَفا

فلَوْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ لا لِسَانَ لَهُ … لَقَدْ دعَتْهُ المعَالي مِلَّة ً طُرُفا

جَمُّ التَّواضُعِ والدُّنْيا بِسُؤْدَدِه … تَكَادُ تَهْتَزُّ مِنْ أَطْرَافِها صَلَفَا

قصدُ الخلائقِ إلا في وغى ً وندى ً … كِلاهُما سُبَّة ٌ ما لَمْ يَكُنْ سَرَفَا

تُدْعَى عَطَايَاهُ وَفْراً وَهْيَ إنْ شُهِرَتْ … كانتْ فخاراً لمنْ يعفوه مؤتنفا

ما زلتُ منتظراً أعجوبة ً عنناً … حتى رأيتُ شؤالاً يجتنى شرفا

يقولُ قولَ الذي ليسَ الوفاءُ له … عَزْماً ويُنْجزُ إنجازَ الذي حَلَفا

رأَى الِحِمَامَ شَقِيقَ الْخُلْفِ فاتَّفَقَا … في ناظريهِ وإنْ كانا قدِ اختلفا

كِلاَهُما رَائِحٌ غَادٍ يَذُلُّ على … معروفهِ وعلى حوبائهِ ائتلفا

ولو يقالُ اقرِ حدَّ السيفِ شرهما … ما شام حديهِ حتى يقتل الخلفا

إِنَّ الخلِيفَة َ والأفشِينَ قد عَلِما … من اشتفى لهما منْ بابكٍ وشفى

في يومِ أرشقَ والهيجاءُ قدْ رشقتْ … مِنَ المنيَّة ِ رِشْقاً وابِلاً قَصِفَا

فكانَ شَخْصُكَ في أَغْفَالِها عَلَماً … وكانَ رَأْيُكَ في ظَلْمائِها سَدَفا

نضوتهُ دلفياً منْ كنانتهِ … فأصبحتْ فوزة ُ العقبى لهُ هدفا


بهِ بَسَطْتَ الخُطَا فاسْحَنْفَرتْ رَتَكاً … إلى الجلادِ وكانتْ قبلهُ قطفا

خطواً ترى الصارمَ الهنديَّ منتصراً … بهِ منَ المَارِنِ الخَطي مُنْتَصِفَا

ذمرتَ جمعَ الهدى فانقضَ منصلتاً … وكانَ في حلقاتِ الرعبِ قد رسفا

ومرّ بابكُ مرَّ العيشش منجذماً … مُحلَوْلياً دَمُهُ المَعْسُولُ لو رُشِفا

حَيرَانَ يَحسَبُ سَجْفَ النَّقْعِ مِنْ دَهَشٍ … طوداً يحاذرُ أنْ ينقضَّ أو جرفا

ظَلَّ القَنَا يَسْتَقي مِنْ صَفهِ مُهَجاً … إمَّا ثِماداً وإمَّا ثَرَّة ً خُسُفَا

منْ مشرقٍ دمهُ في وجههِ، بطلٍ، … وَوَاهلٍ دَمُهُ للرُّعْبِ قد نُزِفَا

فذاكَ قد سقيتْ منه القنا جرعاً … وذَاكَ قد سُقِيتْ مِنْه القَنَا نُطُفَا

مثقفاتٍ سلبنَ الرومَ زرقتها … والعُرْبَ سُمْرَتَها والعاشِقَ القَضَفا

ما إن رأيتُ سواماً قبلها هملاً … يرعى فيهدي إليه رعيهُ عجفا

ورُبَّ يَوْمٍ كأيَّامٍ تَرَكْتَ بهِ … مَتْنَ القَناة ِ ومَتْنَ القِرْنِ مُنْقَصِفا

أزرتَ آبرشتويماً والقنا قصدٌ … غيابة َ الموتِ والمقورة َ الشسفا

لَمَّا رَأَوْكَ وإيَّاها مُلَمْلَمَة ً … يظلُّ منها جبينُ الدهر منكسفا

ولوا وأغشيتهمْ شماً غطارفة ً … لِغْمرَة ِ الموتِ كَشَّافِينَ لا كُشُفَا

قد نَبَذُوا الْحَجَفَ المحُبوكَ مِنْ زُؤُدٍ … وصيروا هامهمْ بل صيرتْ حجفا

أغشيتَ بارقة َ الأغمادِ أرؤسهمْ … ضَرْباً طِلَخْفاً يُنَسي الجانِفَ الجَنَفَا

بَرْقٌ إذا بَرْقُ غَيْثٍ بَاتَ مُخْتطِفاً … لِلطَّرْف أصبَحَ للأعناقِ مُخْتطِفَا

بالبيضِ قد أنفَتْ إنَّ الحُسَامَ إذا … هجيرة ٌ حرضته ساعة ً أنفا

كَتَبْتَ أَوْجُهَهُمْ مشقاً ونَمْنمَة ً … ضَرْباً وطَعْناً يُقَات الهَامَ والصُّلُفَا

كتابة ً لا تني مقروءة ً أبداً … وما خططتَ بها لاماً ولا ألفا

فإنْ ألظوا بإنكارٍ فقدْ تركتْ … وُجُوهُهُمْ بالّذي أولَيْتَها صُحُفَا

وغيضة َ الموتِ أعني البذَّ قدتَ لها … عَرَمْرَماً لِحُزُونِ الأَرْضِ مُعْتَسِفَا

كانَتْ هيَ الوسَطَ الممنوعَ فاستَلبتْ … ما حَوْلَها الخيلُ حتى أصبحَتْ طَرَفَا

وظَلَّ بالظَّفَرِ الأَفشِينُ مُرْتَدِياً … وباتَ بابكها بالذلِّ ملتحفا

أعطى بكلتا يديهِ حينَ قيلَ له … هذا أبو دلفَ العجليُّ قدْ دلفا

تركتَ أجفانه مغضوضة ً أبداً … ذلاً تمكنَ منْ عينيهِ، لا وطفا

يا ربَّ مكرمة ٍ تجفى ، إذا نزلتْ … قدْ عرفتْ في ذراكَ البرَّ واللطفا

لَوْ لَمْ تَفُتَّ مُسِنَّ المَجْدِ مُذْ زَمَنٍ … بالجُودِ والبأْسِ كانَ المجدُ قد خَرِفَا

نامتْ هموميَ عني حينَ قلتُ لها … حسبي أبو دلفٍ، حسبي بهِ وكفى


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page