أبوالعلاء المعري

أوانيَ هَمٌّ، فألقَى أواني، قصيدة أبوالعلاء المعري

أوانيَ هَمٌّ، فألقَى أواني، – أبوالعلاء المعري


أوانيَ هَمٌّ، فألقَى أواني، … وقد مَرّ في الشّرْخِ والعُنفُوانِ

وضَعْتُ بُوانيَّ في ذِلَّةٍ، … وألقَيتُ، للحادِثاتِ، البُواني

ثوانيَ ضيفٌ، فلَم أقْرِهِ … أوائلَ من عَزْمتي، أو ثواني

فَيا هِندُ وانٍ، عن المكرُما … تِ، من لا يُساوِرُ بالهُندَواني

زوانيَ خَوْفُ المَقامِ الذّميـ … ـمِ، عن أن أكونَ خليلَ الزّواني

روانيَ صَبري، فأضحتْ إليّ … عيونٌ، على غَفلاتٍ، رواني

عواني قضاءٌ، دُوينَ المُرادِ، … وما بِكرُ شأنِكَ مثلُ العَوان

وهلْ جعلَ الشائماتِ الوَميضَ … تَوانيَ، غَيرُ اتصالِ التّواني؟

فما، لرِكابكَ، هذي، الوُقوفِ … عَدَا حادييها، الذي يَرْجُوان

حَوانيَ للوِرْدِ أعْناقَها، … وما عَلِمَتْ أيَّ وقتٍ حَواني

ولم يَلْقَ، في دَهرِهِ، أجرَبيٌّ … هَوانيَ، فَلْيَنْأ عَنّي هَواني

وعنديَ سِرٌّ بَذِيُّ الحَديثِ، … كنَتْ عَنهُ في العالمينَ الغواني

إذا رَملَةٌ لم تَجىءْ بالنّباتِ، … فقد جَهِلَتْ إن سقَتها السّواني

جريتُ معَ الدّهرِ جريَ المُطيعِ، … بَينَ اللَّياحيّ والأُرجُواني

كأنّيَ في العَيشِ لدْنُ الغُصو … نِ، مَن شاءَ قَومَني أو لَواني

ولا لَونَ للماءِ، فيما يُقالُ، … ولكنْ تلوُّنُهُ بالأواني

وفي كلّ شرٍّ، دعتْهُ الخطوبُ، … شَواسعُ مَنفَعَةٍ، أو دَواني

وأجزاءُ ترْياقِهِمْ لا تَتِمُّ، … إلاّ بجُزْءٍ مِن الأُفْعُوان

فَلا تَمدَحاني يَمينَ الثّناءِ، … فأحْسنُ من ذاكَ أن تَهجُواني

وإنّيَ، من فِكرَتي والقَضا … ءِ، ما بينَ بحرَينِ لا يَسجُوان

وإنّ النّهارَ، وإنّ الظّلامَ، … على كلّ ذي غَفلَةٍ يَدْجُوان

وكَيفَ النّجاءُ، وللفَرقَدينِ … فَضلٌ، وآلَيتُ لا يَنجُوان

فلَم تَطلُبا شيمتي ناشِئَينِ، … وعَمّا لَطَفْتُ لَهُ تجفُوان

فإنْ تَقْفُوَا أثَري تُحْمَدا؛ … وإنْ تَعرِفا النّهجَ لا تَقفُوان

وقد أمرَ الحِلمُ أن تَصفَحا، … ونادى بلُطْفٍ: ألا تَعفُوان؟

فلَن تَقذَيا باغتِفارِ الذّنوبِ، … ولَكنِ بغفرانِها تَصفُوانِ

ولولا القَذى طِرْتُما في الهواء، … وفي اللُّجّ أُلفيتُما تَطفُوان

فكُونا معَ النّاسِ كالبارِقَينِ، … تَعُمّانِ بالنّورِ، أو تَخفُوان

فلَمْ تُخْلَقَا مَلَكَيْ قُدْرَةٍ، … إذا ما هَفا الإنسُ لا تَهفُوان

ألَمْ تَرَنا عُصُرَيْ دَهْرِنا، … يؤودانِ بالثّقلِ، أو يأدوان؟

وما فتىءَ الفَتَيانِ، الحَياةَ، … يَرُوحانِ بالشرّ، أو يَغدُوان

عدُوّانِ، ما شَعَرا بالحِمامِ، … فكَيفَ تَظنُّهُما يَعدوان؟


ألا تَسمَعُ، الآنَ، صَوتَيهما، … بكلّ امرىءٍ فيهما يحدُوان؟

وما كَشفَ البَحثُ سرّيْهِما؛ … وما خِلتُ أنّهما يَبدُوان

وكمْ سَرَوا عالَماً أوّلاً، … وما سَرُوَا، فمتى يَسرُوان؟

وبينهما أهلكَ، الغابرينَ، … ما يقرِيانِ، وما يقرُوان

إذا ما خَلا شَبَحي منهُما، … فَما يُقفِرانِ، ولا يَخلُوان

قَلَينا البَقاءَ، ولم يَبرَحا … بنا، في مَراحِلِهِ، يقلُوان

وكم أجلَيَا عن رجالٍ مَضَوا؛ … وأخبارُ ما كانَ لا يَجلُوان

كَما خُلِقا غَبَرَا في العُصو … ر، لا يَرْخُصانِ ولا يَغلُوان

تَمُرُّ وتَحلُوا لَنا الحادِثاتُ، … وما يَمقَرانِ ولا يَحلُوان

إذا تَلَوَا عِظَةً، فالأنا … مُ لا يأذَنونَ لما يَتلُوان

مُغِذّانِ بالنّاسِ، لا يلغُبانِ، … وسَيفانِ للَّهِ لا يَنبُوانِ

ولو خُلِقا مثلَ خَلقِ الجيادِ، … رأيتَهما، في المدى، يكبُوان

لعلّكُما، إن تَهُبّ الصَّبا، … إلى بلَدٍ نازحٍ تَصبُوان

فَلا رَيبَ أنّ الذي تُحبيا … نِ، أفضلُ منهُ الذي تَحبُوان

فَعِيشا أبِيّيْنِ للمخزِيا … تِ، مثلَ السّماكَينِ لا تأبُوان

إذا شَبّتِ الشِّعريانِ الوَقودَ، … فَفي الحكمِ أنّهُما تخبُوان

وكونا كريمَينِ بَينَ الأنيـ … ـسِ، لا تنمُلانِ، ولا تأثوان

إذا الخِلُّ أعَرضَ لم تُلفَيا، … لسوءِ أحاديثِهِ، تنثُوان

وإنْ لم تَهيلا، إلى مُعدِمٍ، … طَعاماً، فيَكفيهِ ما تحثُوان

وجَهلٌ مُرادُ كما في المَقيظِ، … عَهداً من الوَردِ والأقحُوان

وما الحادِيانِ سوى الجُندَبَيـ … ـنِ، في حرّ هاجرَةٍ ينزُوان

وما أمِنَ البازِيانِ القِصاص، … وأن يُؤخذا بالذي يبزُوانِ

فإنْ تُهْمِلا كلَّ ما تَخزُنانِ، … فلَم يأتِ بالخَزْيِ ما تَخزُوانِ

ولا تُوجَدَا أبَداً كاهِنَينِ، … تَروعانِ قَوماً بما تخزُوان

ونُصّا، إلى اللَّهِ، مَغزاكما، … فذلكَ أفضَلُ ما تَغزُوان

ولا تَعزُوَا الخَيرَ إلاّ إلَيهِ، … فيَجني الشّفاءُ بما تَعزُوان

وإنْ عُرّيَتْ كاسياتُ الغُصو … ن، فلتكسُ بالدّفء من تكسُوان

وضنّا بعُمرِكما أنْ يَضيعَ، … ولا تُفْنِيا وقتَهُ تَلهُوان

بذِكرِ إلهِكُما، فأبَها، … لعَلّكُما بالتّقَى تبهُوان

فيا رُبّ طاهي صِلالٍ يَبيتُ، … متّخِذاً طَعمَهُ، يطهُوان

وسيرَا، وساعَينِ، في المَكرُمات … تِ، لا تدْلُجانِ ولا تقطُوان

مَطا بِكُما قَدَرٌ، لا يزالُ … جديداهُ، في غفلَةٍ، يَمطُوان

فوَيْحٌ لخاطِئَتيْ مارِدٍ، … تَنُصّانِ في ما لهُ تخطُوَان


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page