إنّي لَمِنْ آلِ حوّاءَ، الذينَ همُ قصيدة أبوالعلاء المعري
إنّي لَمِنْ آلِ حوّاءَ، الذينَ همُ – أبوالعلاء المعري
إنّي لَمِنْ آلِ حوّاءَ، الذينَ همُ … ثِقلٌ على الأرضِ، غانيها وعافيها
جاروا على حَيوانِ البَرّ، ثمّ عدَوا … على البحارِ، فغالَ الصَّيدُ ما فيها
لم يُقنِعِ الحيَّ منها ما تَقَنّصَهُ، … حتى أجازَ أُناسٌ أكلَ طافيها
كم دُرّةٍ قصدُوها في مَواطِنها، … لعلّ كَفّاً، بمِقدارٍ، تُوافيها
فاستخدموا اللجّةَ الخضراء، تحملهم … سفائنٌ، بَينَ أمواجٍ تُنافيها
والطيرَ جمعاءَ: ضُعفاها وجارحَها، … حتى العُقابَ، التي حَدّتْ أشافيها
ينافقونَ، وما جَرّ النّفاقُ لهمْ … خيراً، فعَثرَتُهمْ مُعْيٍ تَلافيها
إنّ الظّواهرَ لم تُشبِهْ بواطِنَها … مثلَ القَوادِمِ خانَتها خوافيها
دُنياكَ تُوجَدُ أيّامُ السّرور بها، … مثلَ القصيدةِ، لم تُذكَرْ قَوافيها
وما وفَتْ لخَليلٍ في مُعاشرَةٍ، … ولا طَمِعنا لخِلٍّ في تَوافيها
أُمٌّ لنا، ما فَتِئْنا عائبينَ لها، … فاشتَطّ لاحٍ لَحَاها في تَجافيها
ومَن يُطيقُ ورودَ الآجناتِ بها، … وقد تُشَرِّقُ، تاراتٍ، بصافيها؟
والنّفسُ هَشّتْ إلى آسٍ يُطَبِّبُها، … ولم تَهَشّ إلى رَبٍّ يُعافيها
حَلّتْ بدارٍ، فظَنّتْ أنّها وطَنٌ … لها، ومالكُ تلكَ الدّارِ نافيها
آمالُنا في الثرَيّا، مِن تَطاوُلِها، … وحِلمُنا في رِياحِ الطّيشِ هافيها
تُقِلُّ أجسامَنا الغَبراءُ ثمّ إلى … بِلًى تَصِيرُ، فتسفيها سوافيها
فَيا بني آدمَ الأغمارَ، ويْبَكُمُ … نُفُوسُكم لم تمكَّنْ من تَصافيها
سِرْتمْ على الماءِ في الحاجاتِ آوِنةً، … أمَا قَنِعتُمْ بسَيرٍ في فَيافيها؟
تخاذَلَ الناسُ، فارتاحتْ عُداتُهمُ، … إنّ المَعاشِرَ يُرْديها تَقافيها
والنّفسُ لم يُلفَ عَنها، مغنياً، بدنٌ، … إنّ المَراجِلَ نَصّتْها أثافيها
يعرى الكريمُ، فيعرى بعد مُذهبةٍ … صَفراءَ، لا يَهجُرُ الصّحراءَ ضافيها
رحْلٌ على ناقةٍ عفراءَ منْ عُمُرٍ، … فقَدْ سرَيْتَ لغاياتٍ توافيها
وما علافيُّها إلاّ يُجِدُّ لها … ذمّاً على فيَّ، أو ذَمّاً على فيها
هذي الحَياةُ، إذا ما الدّهرُ خَرّقها، … فَما بنانُ أخي صُنعٍ بِرافيها
والموتُ داءُ البرايا، لا يُفارِقُها؛ … ولا يؤمَّلُ أنّ اللَّهَ شافيها
وليسَ فارِسُها إلاّ كَراجِلها، … وقد يُرى مُحتَذيها مثلَ حافيها