تَهاوَنْ بالظّنونِ وما حدَسْنَهْ، قصيدة أبوالعلاء المعري
تَهاوَنْ بالظّنونِ وما حدَسْنَهْ، – أبوالعلاء المعري
تَهاوَنْ بالظّنونِ وما حدَسْنَهْ، … ولا تخشَ الظّباءَ متى كنسنَهْ
وأوقاتُ الصِّبا، في كلّ عصْرٍ، … أراقمُ، والمَنيّةُ ما قلسنَه
يُجِدْنَ بهَيّنٍ ويَعِدْنَ فيهِ، … أليسَ، بعلم ربّكَ، قد ألَسْنَه؟
يَلُسنَ شخوصَ أهلِ الأرض، حتى … يُسِخنَ، وراء ذلك، ما يَلُسنه
وما أنا والظّعائنُ سائراتٍ، … أغُرْنَ، معَ الغوائرِ، أو جلَسنَه
ضَرَبتَ لجاهلٍ مَثَلَ الغَواني، … قَلَبنَ، وما رأبنَ، غداةَ رُسْنَه
هيَ النّيرانُ، تُحسِنُ من بَعيدٍ، … وتُحرِقْنَ الأكفَّ، إذا لمَسنَه
أخذنَ اللُّبَّ أجمعَ، ظاعناتٍ، … فعُدْنَ وما رَبَعْنَ وما خمَسنَه
إذا مَدّتْ روامِقَها إلَيها … قوابسَ، لم يَعُجْنَ بما قبَسنَه
ولولا أنّهنّ أذًى وكيدٌ، … لَمَا أصبَحنَ في كِلَلٍ حُبِسنَه
ثُغُورُ مُحارِبٍ مَنعَتْ هُجوعاً، … ثُغوراً، في مَضاحكِها، غُرِسنَه
تَشابَهَتِ الخَلائِقُ والبَرايا، … وإن مازَتهمُ صوَرٌ رُكِسنَه
وجُرمٌ، في الحقيقةِ، مثلُ جَمرٍ، … ولكنّ الحروفَ بهِ عُكِسنَه
غِنى زيدٍ يكونُ لفَقرِ عمرٍو، … وأحكامُ الحوادِثِ لا يُقَسْنَه
كأنّكَ، إنْ بَقيتَ على اللّيالي، … بأعلامِ الوُلاةِ، وقد نُكِسنَه
وخَيرُ الرّزقِ ما وافاكَ عَفواً، … فخلِّ فُضولَ أموالٍ مُكِسنَه
ولْيتَ نُفوسَنا، والحَقُّ آتٍ، … ذهبْنَ كما أتَينَ وما أحَسْنَه
قَدِمنا، والقَوابلُ ضاحِكاتٌ؛ … وسِرْنا، والمَدامعُ يَنبَجِسنَه
عَناصِرُنا طَواهرُ غَيرَ شَكٍّ؛ … فَيا أسَفا لأجسام نَجِسنَه
ويَرجو أن يُزيلَ الغُلَّ صادٍ، … إذا سَمِعَ الرّواعِدَ يَرتَجِسْنَه
وقد زَعَمَ الزّواعمُ، وافتكَرْنا؛ … فوَيْحٌ للخَواطِرِ ما هَجَسنَه
ومن يتأمّلِ الأيّامَ تَسهُلْ … عليهِ النّائباتُ، وإنْ بَخسنَه
ولو صُرِفَ الهُدَى بجَميلِ فعلٍ … إلى مُهَجٍ نَفِسنَ، لما نَفِسنَه
ومَن يَحْمَدْ، لعيشتِهِ، لِياناً، … يَذُمَّ الغِبَّ أخلاقاً شَرِسْنَه
وما الأحراسُ إلاّ أُمّهاتٌ، … أكَسنَ النّاجياتِ، وما أكَسنَه
تَحاسَدتِ العُيونُ على مَنامٍ، … عَرَفنَ كِذابَهُ، وأردنَ حُسنَه
فصَبراً، إنْ سَمعتَ لسانَ سُوءٍ … من ابن مَودّةٍ، وتَوَقّ لِسنَه
فإنّ الوِرْدَ من مِلْحٍ أُجاجٍ، … أجِئتَ لشُربهِ، وعَرفتَ أسنَه
ولولا ضعفُ أرواحٍ أُعِرنْا … سَفاهاً، ما ابتَهَجنَ ولا ابتأسنَه
وإنّ ملوكَ غَسّانٍ تَقَضَّوا، … ولم يُترَكْ لهمْ، في الملكِ، غُسنَه
وفارسُ عزَّ منها، كلَّ راعٍ، … أُسُودٌ للمَقادِرِ يَفترِسنَه
وهَدّ جِبالَها أقيالُ فِهرٍ، … فتلكَ رُبُوعُها آياً طُمِسنَه
يُذيبونَ النُّضارَ بكلّ مشتى، … إذا الأمواهُ من قَرٍّ جَمَسنَه
وقد حَرَسَ المَمالكَ حيُّ لخمٍ، … فغالَتهمْ نوائبُ يَحترِسْنَه
شكا الرّكبُ السُّهادَ، فلمْ يُعيجوا … بأشباحٍ، على قلَقٍ، ينُسنَه
وكم قطعتْ سواري الشُّهبِ، ليلاً، … سواهدَ ما هجَعنَ، ولا نَعَسنَه
هَواكَ مُشابهٌ فَرَساً جَموحاً، … وما ألجَمتَهُ، فعلَيكَ رَسْنَه
ولا يُعْجِبْكَ روضٌ، باكرَتْه … غَمائمُهُ، وأغصانٌ يَمِسنَه
ولا الأفواهُ تضحَكُ عن غريضٍ، … فَرائدُ في مُدامتِها غُمِسنَه
تنَعّمَتِ الخَوافضُ في مَقامٍ، … فكَيفَ النّاعماتُ، إذا رُمِسنَه؟
فأينَ القائلاتُ بلا اقتصادٍ، … أألغَينَ التكلّمَ أم خَرِسْنَه؟
ملأنَ مواضيَ الأزمانِ قولاً، … وأُلزِمنَ السّكوتَ، فَما نبَسنَه
ألمْ تَرَني حَمَيتُ بناتِ صَدري، … فَما زوّجتُهنّ، وقد عنَسنَه
ولا أبرزتُهنّ إلى أنيسٍ، … إذا نُورُ الوحوشِ به أنِسنَه
وقالَ الفارسونَ: حليفُ زُهدٍ، … وأخطأتِ الظّنونُ بما فرَسنَه
ورُضتُ صِعابَ آمالي، فكانتْ … خُيولاً، في مَراتِعِها، شَمَسنَه
ولم أُعْرِضْ عن اللّذّاتِ، إلاّ … لأنّ خِيارَها عَنّي خَنَسنَه
ولم أرَ، في جِلاسِ النّاسِ، خيراً، … فمَن ليَ بالنّوافرِ، إن كنَسنَه؟
وقد غابتْ نجومُ الهَدي عَنّا، … فَماجَ النّاسُ في ظُلَمٍ دَمَسنَه
وقد تَغشَى السّعادَةُ غَيرَ نَدْبٍ، … فيُشرِقُ بالسّعودِ، إذا ودَسنَه
وتُقسَمُ حُظوَةٌ، حتى صخورٌ … يُزَرنَ، فيُستَلمنَ ويُلتَمَسنَه
كذاتِ القُدسِ، أو رُكنَيْ قريشٍ، … وأسرَتُهنّ أحجارٌ لُطِسنَه
يحُجُّ مَقامَ إبراهيمَ وفدٌ، … وكم أمثالِ مَوقِفِهِ وطَسنَه
تَشاءَمَ بالعَواطسِ أهلُ جهلٍ، … وأهوِنْ إن خَفَتنَ، وإنْ عطَسنه
وأعمارُ الذينَ مضَوا صِغاراً، … كأثوابٍ بَلِينَ وما لُبِسنَه
وهانَ، على الفَراقدِ والثّرَيّا، … شخوصٌ، في مَضاجعِها، دُرِسنَه
وما حفَلَتْ حَضارِ ولا سُهَيلٌ … بأبشارٍ يَمانيَةٍ، يُدَسنَه