أبو تمام

لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ قصيدة أبو تمام

لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ – أبو تمام


لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ … خفَّ الهوى وتولتِ الأوطارُ

كانَتْ مجاورة ُ الطُّلولِ وأَهلِها … زَمناً عِذابَ الوردِ فهي بِحارُ

أيَّامَ تُدْمِي عَينَه تِلكَ الدُّمى … فيها وتقمرُ لبهُ الأقمارُ

إذ لا صَدوفُ ولا كَنودُ اسماهُما … كالمعنيين ولا نوارُ نوارُ

بيضٌ فَهنَّ إذا رُمِقْنَ سَوافِراً … صورٌ وهنَّ إذا رمقنَ صوارُ

في حَيثُ يُمتهنُ الحَديثُ لِذي الصبا … وتُحصَّنُ الأسرَار والأَسرارُ

إذْ في القتادة ِ وهي أبخلُ أيكة ٍ … ثَمرٌ وإذ عُودُ الزَّمانِ نُضارُ

قَدْ صَرَّحتْ عنْ مَحضها الأخبارُ … واستبشرتْ بفتوحكَ الأمصارُ

خبرٌ جلا صدأَ القلوبِ ضياؤهُ … إذْ لاحَ أنَّ الصدقَ منهُ نهارُ

لولا جلادُ أبي سعيدٍ لم يزلْ … للثغرِ صدرٌ ما عليه صدارُ

قدتَ الجيادَ كأنهنَّ أجادلٌ … بِقرَى دَرولِية ٍ لها أوْكارُ

حتَّى التَوى منْ نَقعِ قَسطَلها على … حِيطانِ قُسطنطينة َ الإعْصارُ

أوقدتَ من دُونِ الخليجِ لأهلها … ناراً لهَا خَلفَ الخليجِ شرارُ

إلا تكنْ حصرتْ فقدْ أضحى لها … منْ خوفِ قارعة ِ الحصارِ حصارُ

لوْ طاوعتكَ الخيلُ لم تقفلْ بها … والقُفْلُ فيه شَباً ولا مِسمارُ

لمَّا لَقوكَ تَواكلُوكَ وأعْذَرُوا … هَرباً، فلمْ ينفعهُمُ الإعذارُ

فهُناكَ ناُر وَغى ً تُشَبُّ وهَاهُنا … جَيشٌ له لَجبٌ وثَمَّ مُغارُ

خشعوا لصولتكَ التي هي عندهم … كالموتِ يأتي ليسَ فيهِ عارُ

لما فصلتَ منَ الدروبِ إليهمِ … بعرمرمٍ للأرضِ منهُ خوارُ

إنْ يبتكرْ ترشدهُ أعلامُ الصوى … أو يسرِ ليلاً فالنجومُ منارُ

فالحَمَّة ُ البَيْضاءُ مِيعادٌ لَهمْ … والقُفلُ حَتمٌ والخليجُ شِعارُ

علموا بأنَّ الغزوَ كانَ كمثلهِ … غَزواً وأنَّ الغَزو مِنكَ بَوارُ

فالمشيُ همسٌ والنداءُ إشارة ٌ … خَوفَ انتِقامِكَ والحَديثُ سِرارُ

إلا تنل منويلَ أطرافُ القنا … أو تُثنَ عَنهُ البيضُ وهيَ حِرارُ

فلقدْ تمنى أنَّ كلَّ مدينة ٍ … جَبلٌ أَصمُّ وكلُّ حِصْنٍ غَارُ

إلا تفرَّ فقدْ أقمتَ وقدْ رأتْ … عَينَاكَ قِدْرَ الحربِ كيف تُفارُ

في حَيْث تَستَمِعُ الهَريرِ إذا عَلا … وترى عَجاجَ الموتِ حينَ يُثارُ

فانْظُرْ بِعَيْنِ شَجَاعَة ٍ فَلتعْلَمَنْ … أنَّ المقامَ بحيثُ فرارُ

لَمَّا أَتتكَ فُلُولُهمْ أَمْدَدَتهُم … بِسَوابِقِ العَبرَاتِ وَهْي غِزَارُ

وضربتَ أمثالَ الذليلِ وقد ترى … أَنْ غَيْرُ ذَاكَ النَّقْصُ والإمْرَارُ

الصَّبْرُ أجمَلُ والقَضَاءُ مُسلَّطٌ … فارضوا بهِ والشرُّ فيه خيارُ

هَيْهَاتَ جاذَبكَ الأعِنَّة َ باسِلٌ … يعطي الأسنة َ كلَّ ما تختارُ


فمَضَى لَوَ أنَّ النَّارَ دُونَكَ خاضَها … بالسَّيْفِ إلاَّ أنْ تكونَ النَّارُ

حَتَّى يَؤُوبَ الحَقُّ وهْوَ المُشتَفِي … منكمْ وما للدينِ فيكمْ ثارُ

للَّهِ دَرُّ أبي سَعِيدٍ إنَّهُ … لِلضَّيْفِ مَحْضٌ لَيْسَ فيهِ سَمَارُ

لَمَّا حَلَلْت الثَّغْرَ أصبَحَ عالِياً … للرُّومِ مِنْ ذَاكَ الْجِوارِ جُوَارُ

واستيقنوا إذْ جاشَ بَحرُكَ وارتَقى … ذاكَ الزئيرُ وعزَّ ذاكَ الزارُ

أنْ لَسْتَ نِعْمَ الجَارُ للسُّنَنِ الأُولَى … إلا إذا ما كنتَ بئسَ الجارُ

يقظٌ يخافُ المشركونَ شذاتهُ … متواضعٌ يعنو له الجبارُ

ذللٌ ركائبهُ إذا ما استأخرتْ … أسفارهُ فهمومهُ أسفارُ

يسري إذا سرتِ الهمومُ كأنهُ … نجمُ الدجى ويغيرُ حينَ يغارُ

سمقتْ بهِ أعراقه في معشرٍ … قَطْبُ الوَغَى نُصُبٌ لهُمْ ودَوَارُ

لا يأسفونَ إذا همُ سمنت لهمْ … أحسابهم أنْ تهزلَ الأعمارُ

مُتَبهمٌ في غَرْسِهِ أنصَارُه … عندَ النزالِ كأنهم أنصارُ

لُفُظٌ لأخْلاقِ التجارِ وإنَّهُمْ … لغداً بما ادخروا له لتجارُ

ومُجَربون سَقاهُمُ مِنْ بأْسِهِ … فإذا لُقُوا فكأنَّهُمْ أغْمارُ

عكفٌ بجذلٍ للطعانِ لقاؤهُ … خَطَرٌ إذا خطَرَ القَنَا الخَطَّارُ

والبيضُ تعلمُ أنَّ ديناً لم يضعْ … مذ سلهنَّ ولا أضيعُ ذمارُ

وَإذَا القِسِيُّ العُوجُ طَارَتْ نَبْلُها … سومَ الجرادِ يسيحُ حينَ يطارُ

ضمنتْ لهُ أعجاسها وتكفلتْ … أَوْتَارُها أنْ تُنْقَضَ الأوْتَارُ

فدعوا الطريقَ بني الطريقِ لعالمٍ … أنَّى يُقَادُ الجَحْفلُ الجَرَّارُ

لَوْ أنَّ أَيْدِيكُمْ طِوَالٌ قَصَّرتْ … عنهُ فكيفَ تكونُ وهيَ قصارٌ

هو كَوكَبُ الإسْلامِ أَيَّة َ ظُلْمَة ٍ … يخرقْ فمخُّ الكفرِ فيها رارُ

غادرتَ أرضهمُ بخيلكَ في الوغى … وكأنَّ أمنعها لها مضمارُ

وأقمتَ فيها وادعاً متمهلاً … حتى ظننا أنها لكَ دارُ

بالمُلْكِ عَنْكَ رِضاً وجابِرُ عظْمِهِ … أرض وبالدنيا عليكَ قرارُ

وأَرَى الرياضَ حَوامِلاً ومَطَافِلاً … مُذْ كنتَ فيها والسَّحابُ عِشَارُ

أيَّامُنا مَصْقُولَة ٌ أَطرَافُهَا … بكَ واللَّيالي كُلُّها أَسْحَارُ

تندى عفاتكَ للعفاة ِ وتغتدي … رُفَقاً إلى زُوَّارِكَ الزُّوَّارُ

هِمَمِي مُعَلَّقَة ٌ عليكَ رِقابُها … مغلولة ٌ إنَّ الوفاءَ إسارُ

وَمَوَدَّتي لك لا تُعارُ بَلى إذا … ما كانَ تامورُ الفؤادِ يعارُ

والناسُ غيركَ ما تغيرُ حبوتي … لفِراقِهِمْ هَلْ أَنْجَدُوا أو غَارُوا

ولذاكَ شعري فيكَ قد سمعوا بهِ … سحرٌ وأشعاري لهمُ أشعارٌ

فاسْلَمْ ولا ينفَكُّ يَحظُوكَ الرَّدَى … فينا وتسقطُ دونكَ الأقدارُ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page