يَا حَسْرَة ً مَا أكَادُ أحْمِلُهَا، قصيدة أبو فراس الحمداني
يَا حَسْرَة ً مَا أكَادُ أحْمِلُهَا، – أبو فراس الحمداني
يا حَسرَةً ما أَكادُ أَحمِلُها … آخِرُها مُزعِجٌ وَأَوَّلُها
عَليلَةٌ بِالشَآمِ مُفرَدَةٌ … باتَ بِأَيدي العِدى مُعَلِّلُها
تُمسِكُ أَحشاءَها عَلى حُرَقٍ … تُطفِئُها وَالهُمومُ تُشعِلُها
إِذا اِطمَأَنَّت وَأَينَ أَو هَدَأَت … عَنَّت لَها ذُكرَةٌ تُقَلقِلُها
تَسأَلُ عَنّا الرُكبانَ جاهِدَةً … بِأَدمُعٍ ماتَكادُ تُمهِلُها
يامَن رَأى لي بِحِصنِ خِرشَنَةٍ … أُسدَ شَرىً في القُيودِ أَرجُلُها
يامَن رَأى لي الدُروبَ شامِخَةً … دونَ لِقاءِ الحَبيبِ أَطوَلُها
يامَن رَأى لي القُيودَ موثَقَةٌ … عَلى حَبيبِ الفُؤادِ أَثقَلُها
يا أَيُّها الراكِبانِ هَل لَكُما … في حَملِ نَجوى يَخِفُّ مَحمَلُها
قولا لَها إِن وَعَت مَقالَكُما … وَإِنَّ ذِكري لَها لَيُذهِلُها
يا أُمَّتا هَذِهِ مَنازِلُنا … نَترِكُها تارَةً وَنَنزِلُها
يا أُمَّتا هَذِهِ مَوارِدُنا … نَعُلُّها تارَةً وَنُنهَلُها
أَسلَمَنا قَومُنا إِلى نُوَبٍ … أَيسَرُها في القُلوبِ أَقتَلُها
وَاِستَبدَلوا بَعدَنا رِجالَ وَغىً … يَوَدُّ أَدنى عُلايَ أَمثَلُها
لَيسَت تَنالُ القُيودُ مِن قَدَمي … وَفي اِتِّباعي رِضاكَ أَحمِلُها
ياسَيِّداً ماتُعَدُّ مَكرُمَةٌ … إِلّا وَفي راحَتَيهِ أَكمَلُها
لاتَتَيَمَّم وَالماءُ تُدرِكُهُ … غَيرُكَ يَرضى الصُغرى وَيَقبَلُها
إِنَّ بَني العَمِّ لَستَ تَخلُفُهُم … إِن عادَتِ الأُسدُ عادَ أَشبُلُها
أَنتَ سَماءٌ وَنَحنُ أَنجُمُها … أَنتَ بِلادٌ وَنَحنُ أَجبُلُها
أَنتَ سَحابٌ وَنَحنُ وابِلُهُ … أَنتَ يَمينٌ وَنَحنُ أَنمُلُها
بِأَيِّ عُذرٍ رَدَدتَ والِهَةً … عَلَيكَ دونَ الوَرى مُعَوَّلُها
جاءَتكَ تَمتاحُ رَدَّ واحِدِها … يَنتَظِرُ الناسُ كَيفَ تُقفِلُها
سَمَحتَ مِنّي بِمُهجَةٍ كَرُمَت … أَنتَ عَلى يَأسِها مُؤَمَّلُها
إِن كُنتَ لَم تَبذِلِ الفِداءَ لَها … فَلَم أَزَل في رِضاكَ أَبذِلُها
تِلكَ المَوَدّاتُ كَيفَ تُهمِلُها … تِلكَ المَواعيدُ كَيفَ تُغفِلُها
تِلكَ العُقودُ الَّتي عَقَدتَ لَنا … كَيفَ وَقَد أُحكِمَت تُحَلِّلُها
أَرحامُنا مِنكَ لِم تُقَطِّعُها … وَلَم تَزَل دائِباً تُوَصِّلُها
أَينَ المَعالي الَّتي عُرِفتَ بِها … تَقولُها دائِماً وَتَفعَلُها
ياواسِعَ الدارِ كَيفَ توسِعُها … وَنَحنُ في صَخرَةٍ نُزَلزِلُها
ياناعِمَ الثَوبِ كَيفَ تُبدِلُهُ … ثِيابُنا الصوفُ مانُبَدِّلُها
ياراكِبَ الخَيلِ لَو بَصُرتَ بِنا … نَحمِلُ أَقيادُنا وَنَنقُلُها
رَأَيتَ في الضُرِّ أَوجُهاً كَرُمَت … فارَقَ فيكَ الجَمالَ أَجمَلُها
قَد أَثَّرَ الدَهرُ في مَحاسِنِها … تَعرِفُها تارَةً وَتَجهَلُها
فَلا تَكِلنا فيها إِلى أَحَدٍ … مُعِلُّها مُحسِناً يُعَلِّلُها
لايَفتَحُ الناسُ بابَ مَكرُمَةٍ … صاحِبُها المُستَغاثُ يُقفِلُها
أَيَنبَري دونَكَ الكِرامُ لَها … وَأَنتَ قَمقامُها وَأَحمَلُها
وَأَنتَ إِن عَنَّ حادِثٌ جَلَلٌ … قُلَّبُها المُرتَجى وَحُوَّلُها
مِنكَ تَرَدّى بِالفَضلِ أَفضَلُها … مِنكَ أَفادَ النَوالَ أَنوَلُها
فَإِن سَأَلنا سِواكَ عارِفَةً … فَبَعدَ قَطعِ الرَجاءِ نَسأَلُها
إِذا رَأَينا أولى الكِرامِ بِها … يُضيعُها جاهِداً وَيُهمِلُها
لَم يَبقَ في الناسِ أُمَّةٌ عُرِفَت … إِلّا وَفَضلُ الأَميرِ يَشمَلُها
نَحنُ أَحَقُّ الوَرى بِرَأفَتِهِ … فَأَينَ عَنّا وَأَينَ مَعدِلُها
يامُنفِقَ المالِ لايُريدُ بِهِ … إِلّا المَعالي الَّتي يُؤَثِّلُها
أَصبَحتَ تَشري مَكارِماً فُضُلاً … فِداؤُنا قَد عَلِمَت أَفضَلُها
لايَقبَلُ اللَهُ قَبلَ فَرضِكَ ذا … نافِلَةً عِندَهُ تُنَفِّلُها