أبو تمام

سقى عهدَ الحمى سبلٌ العهادِ قصيدة أبو تمام

سقى عهدَ الحمى سبلٌ العهادِ – أبو تمام


سقى عهدَ الحمى سبلٌ العهادِ … وروضَ حاضرٌ منهُ وبادِ

نزَحْتُ به رَكِيَّ العيْنِ لمَّا … رأيتُ الدمعَ منْ خير العتادِ

فَيا حُسْنَ الرُّسُومِ وما تَمَشَّى … إليْهَا الدَّهْرُ في صُوَرِ البعَادِ

وإِذْ طَيْرُ الحَوادث في رُباها … سَواكنُ، وَهْيَ غَنَّاءُ المَرَادِ

مَذَاكي حَلْبَة ٍ وشُرُوبُ دَجْنٍ … وسَامرُ فتْيَة ٍ وقُدُورُ صَادِ

وأعينُ ربربٍ كحلتْ بسحرٍ … وأَجسادٌ تُضَمَّخُ بالجَسادِ

بزهرٍ والحذاقِ وآلِ بردٍ … وَرَتْ في كل صَالحَة ٍ زَنَادي

وإنْ يكُ منْ بني أددٍ جناحي … فإِنَّ أثيثَ رِيشي من إيَادِ

غَدَوْتُ بهِمْ أَمَدَّ ذَوِيَّ ظلاًّ … وأكثرَ منْ ورائي ماءَ وادِ

هُمُ عُظْمَى الأثَافي منْ نِزارٍ … وأَهْلُ الهَضْبِ منها والنجَادِ

مُعَرَّسُ كُل مُعضلَة ٍ وخَطْبٍ … ومَنْبِتُ كل مَكْرُمَة ٍ وَآدِ

إذا حدثُ القبائل ساجلوهمْ … فإِنَّهُمُ بَنُو الدَّهْرِ التلاَدِ

تُفرَّجُ عنهمُ الغَمَرات بيضٌ … جلادٌ تحتَ قسطلة الجلادِ

وحشْوُ حوادثِ الأَيَّامِ منهمْ … معاقلُ مُطْرَدٍ وَبنُو طِرَاد

لهم جهلُ السباعِ إذا المنايا … تَمَشَّتْ في القنَا وحُلُومُ عَادِ

لقدْ أنستْ مساوىء كلِّ دهرٍ … محاسنُ أَحمدَ بنِ أبي دُوَادِ

متى تَحْلُلْ به تَحلُلْ جَنَاباً … رضيعاً للسواري والغوادي

ترشحُ نعمة ُ الأيامِ فيهِ … وتُقْسَمُ فيه أرْزاقُ العبَاد

وما اشتبهتْ طريقُ المجد إلا … هداكَ لقبلة المعروف هاد

وما سافرتُ في الآفاقِ إلاَّ … ومن جدواكَ راحلتي وزادي

مقيمُ الظن عندكَ والأماني … وإنْ قلقتْ ركابي في البلادِ

معادُ البعث معروفٌ ولكنْ … ندى كفيكَ في الدنيا معادي

أَتاني عائِرُ الأَنْبَاءِ تَسْرِي … عقاربهُ بداهية ٍ نآد

… يُجَرُّ بهِ على شَوِكِ القَتَادِ


كأَنَّ الشَّمْسَ جَلَّلها كُسُوفٌ … أو استترتْ برجل منْ جراد

بأني نلتُ من مضرٍ وخبتْ … إليْكَ شَكيَّتي خَبَبَ الجَواد

وما رَبْعُ القَطيعَة لي بِرَبْعٍ … ولانادي الأَذى مني بنَاد

وأَيْنَ يَجُورُ عنْ قَصْدٍ لسَاني … وقلبي رائحٌ برضاكَ غاد

ومما كانت الحكماءُ قالتْ … لسانُ المرءِ منْ خدمِ الفؤاد

فقِدْماً كُنْتُ مَعْسُولَ الأماني … ومأدومَ القوافي بالسداد

لقَدْ جَازَيْتُ بالإحْسَانِ سُوءاً … إذاً وصبغتُ عرفكَ بالسواد

وسرتُ أسوقُ عيرَ اللؤمِ حتى … أَنَخْتُ الكُفْرَ في دارِ الجهاد

فكيفَ وعتبُ يومٍ منكَ فذٍّ … أَشَدُّ عليَّ من حَرْب الفَسَاد 

وليستْ رغوتي من فوقِ مذقٍ … ولا جمري كمينٌ في الرمادِ

وكانَ الشُّكْرُ للكُرَمَاءِ خَصْلاً … ومَيْداناً كَميْدَان الجِيَاد

عَليْه عُقدَتْ عقدي ولاحَتْ … مواسمهُ على شيمي وعادي

وغيري يأكلُ المعروفَ سحتاً … وتشجبُ عندهُ بيضُ الأيادي

تثبتْ إنَّ قولاً كانَ زوراً … أتى النعمامَ قبلكَ عن زياد

وأرثَ بينَ حيِّ بني جلاحٍ … سنا حربٍ وحيِّ بني مصادِ

وغادَرَ في صُروف الدَّهْرِ قَتْلَى … بني بدر على ذات الإصاد

فما قدحاكَ للباري وليستْ … مُتونُ صَفاكَ من نُهَر المُرادي

ولوْ كشفتني لبلوتَ خرقاً … يُصَافي الأكْرَمينَ ولا يصَادي

… إلى بعض الموارد وهو صادي

إليكَ بعثتُ ابكارَ المعاني … يليها سائقٌ عجلٌ وحادي

جَوائرَ عن ذُنابى القَوْمِ حَيْرَى … هواديَ للجَماجمِ والهَوَادي

يذللها بذكركَ قرنُ فكرٍ، … إذا حرنتْ، فتسلسُ في القيادِ

لهَا في الهَاجِسِ القِدْحُ المُعَلَّى … وفي نظم القوافي والعمادِ

منزهة ً عن السرق المورى … مُكَرَّمَة ً عن المَعْنى المُعاد

تنصّلَ ربها منْ غير جرمٍ … إليْكَ سوَى النَّصيحة والوِدَاد


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page