أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ قصيدة أبو تمام
أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ – أبو تمام
أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ … تكن عوضاً إن عنفوك من النبلِ
وكأسٍ كمَعْسولِ الأَماني شَرِبْتُها … و لكنها اجلت وقد شربت عقلي
إذا عُوتِبَتْ بالماءِ كانَ اعِتذَارُها … لَهيباً كَوَقِعِ النَّارِ في الحَطَبِ الجَزْلِ
اذا هيت دبت في القتى خال جسمهُ … لما دبَّ فيهِ قرية ً من قرى النملِ
اذا ذاقها وهي الحياة ُ رأيتهُ … يعبّسَ تعبيسَ المقدمِ للقتلِ
إذا اليَدُ نالَتْها بِوِتْرٍ تَوَقَّرَتْ … على ضَعْفِها ثم استَقَادَتْ منَ الرجْلِ
و تصرعُ ساقيها بانصافِ شربها … وصَرعُهُمُ بالجَوْرِ في صُورة ِ العَدْلِ
سقى الرائحُ الغدي المهجرُ بلدة ً … سقتني أنفاسَ الصبابة ِ والخيلِ
سحابٌ اذا ألقت عل خلفهِ الصبا … يداً قالت الدنيا أتى قاتلُ المحلِ
اذا ما ارتدى بالبرقِ لم يزل الندى … لهُ تبعاُ أو يرتدي الروضُ بالبقلِ
إِذا انتشَرَتْ أَعلامُهُ حَوْلَه انطَوتْ … بطونُ الثرى منهُ وشيكاً على حملِ
ترى الأرضَ تهتزُّ ارتياحاً لوقعهِ … كما ارتاحتِ البِكْرُ الهِدِيُّ إلى البَعْلِ
فجَادَ دِمَشْقاً كلَّها جُودَ أهْلِها … بأنْفُسِهِمْ عندَ الكَرِيهَة ِ والبَذْلِ
سَقاهُمْ كما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغَى … ببيضِ صفيحِ الهندِ والسمرِ الذبلِ
فلم يبقِ في أرضِ البقاعينِ بقعة … وجَادَ قُرَى الجَوْلانِ بالمُسْبِلِ الوَبْلِ
بنفسي أرضُ الشام لا أيمنُ الحمى … و لا أيسرث الدهنا ولا أوسطُ الرملِ
و لم أرَ مثليَ مستهاماً بمثلكم … و لا مثلَ قلبي فيهِ لا يغلي
عَدَتْنيَ عنكُمْ مُكْرَهاً غُرْبَة ُ النَّوَى … لها طَرْبَة ٌ في أَن تُمِرَّ ولا تُحْلي
اذا لحظت حبلاً من الحيّ محصداً … رمتهُ فلم تسلم بناقضة ِ الفتلِ
أتت بعد هجرٍ من حبيبٍ فحركت … صُبابَة َ ما أَبقَى الصُّدودُ مِنَ الوَصْلِ
أخمسة ُ أحوالٍ مضت لمغيبهِ … وشَهْرانِ بل يَوْمانِ نِكْلٌ مِنَ النكْلِ
تَوَانَى وَشِيكُ النُّجْعِ عنه ووُكلَتْ … بِهِ عَزَماتٌ أَوْقَفَتْهُ على رِجْلِ
ويَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَبِيتَ زَماعُه … على عجلٍ ان القضاءَ على رسلِ
قضى الدهرُ مني نحبهُ يومَ فتلهِ … هوايَ بارقالِ الغريرية ِ الفتلِ
لقَد طَلَعَتْ في وَجْهِ مِصْرَ بِوَجْههِ … بلا طالعٍ سعدٍ ولا طائرٍ سهلِ
وسَاوِسُ آمالٍ ومَذْهَبُ هِمَّة ٍ … تَخيَّلُ لي بينَ المَطِيَّة ِ والرَّحْلِ
وَسَورَة ُ عِلْمٍ لم تُسَدَّدْ فأَصْبَحَتْ … وما يُتَمارَى أّنَّها سَوْرَة ُ الجَهلِ
نأيتُ فلا مالاً حويتُ ولم أقم … فَأَمتَعَ إِذْ فُجعْتُ بالمَالِ والأَهْلِ
بَخِلْتُ على عِرْضِي بما فيهِ صَوْنُه … رَجَاءَ اجتناءِ الجُودِ مِنْ شجَرِ البُخْلِ
عَصَيْتُ شَبَا عَزْمي لِطَاعَة ِ حَيْرَة … دعتني إلى أن افتحَ القفلَ بالقفلِ
و أبسطَ من وجهي الذي لو بذلتهُ … إِلى الأَرضِ مِن نَعْلي لَما نَقَبَتْ نَعْلي
عِداتٌ كَرَيْعانِ السَّرَابِ إِذا جَرَى … تُنَشرُ عَنْ مَنْعٍ وتُطْوَى على مَطْلِ
لئامٌ طَغَامٌ أَوْ كِرامٌ بِزَعْمِهِم … سَواسِيَة ٌ ما أشبَهَ الحَوْلَ بالقَبْلِ
فلَوْ شاءَ مَنْ لَوْ شَاءَ لم يَثْنِ أَمرَه … لصيّرتُ فضل المالِ عند ذوي الفضلِ
و لو أنني اعطيتُ بأسي نصيبهُ … إِذنْ لأخذتُ الحَزْمَ مِنْ مَأْخذ سَهْلِ
وكانَ ورائي مِنْ صرِيمَة ِ طَييءٍ … ومَعْنٍ ووَهْبٍ عَنْ أَماميَ ما يُسْلي
فَلَمْ يَكُ ما جَزَّعْتُ نَفْسي مِنَ الأَسى … ولم يَكُ ما جَرَّعْتُ قَوْمي مِنَ الثُّكْلِ