أبو تمام

لهانَ علينا أن نقولَ وتفعلا قصيدة أبو تمام

لهانَ علينا أن نقولَ وتفعلا – أبو تمام


لهانَ علينا أن نقولَ وتفعلا … ونَذكُرَ بعضَ الفَضْلِ عنكَ وتُفْضِلا

أَبَا جَعْفرٍ أَجْرَيْتَ في كل تَلْعَة ٍ … لنا جعفراً من فيض كفيكَ سلسلا

فكَمْ قَدْ أثرنا مِنْ نَوالِكَ مَعْدِناً … وكمْ قدْ بنينا في ظلالكَ معقلا

رجَعْتَ المنَى خُضَراً تُثَنَّى غُصُونُها … علينا وأطلقتَ الرجاء المكبلا

ومايَلْحَظُ العَافي جَدَاكَ مؤمّلاً … سَوَى لَحْظَة حَتَّى يؤوبَ مُؤَملا

لقدْ زدتَ أوضاحي امتداداً ولم أكنْ … بهيماً ولا أرضى من الأرضِ مجهلا

ولكن أيادٍ صادفتني جسامُهَا … أغرَّ فأوفَتْ بي أغَرَّ مُحَجَّلا

إذا أحسنَ الأقوامُ أن يتطاولوا … بلا نِعمَة ٍ أحسنْتَ أن تَتَطَوَّلا

تعظمتَ عن ذاكَ التعظُّمِ منهمُ … وأوْصَاكَ نُبْلُ القَدْر ألاَّ تَنَبَّلا

تَبيتُ بَعِيداً أنْ تُوجهَ حِيلَة ً … على نشبِ السلطان أو تتأولا

إذا ما أصابوا غرة ً فتمولوا … بها راحَ بيتُ المال منك ممولا

هَزَزْتَ أمِيرَ المؤمنينَ مُحَمَّداً … فكانَ رُدينيّاً وأبيضَ مُنْصُلا

فمَا إنْ تُبَالي أنْ تُجَهزَ رَأْيَهُ … إلى ناكِثٍ أَلاَّ تُجَهزَ جَحفَلا

ترى شخصَه وسطَ الخلاقة ِ هضبة ً … وخُطْبَتَه دُونَ الخِلافَة ِ فَيْصَلا

وأنَّكَ إذْ ألبَسْتَه العِزَّ مُنْعِماً … وسربلتَهُ تلك الخلافة ِ فيصلا

لتقضي به حقَّ الرعية ِ آخراً … وتَقْضي بهِ حَقَّ الخِلافة ِ أوَّلا

فما هضبتا رضوى ولا ركنُ معنقٍ … ولا الطودُ من قدسٍ ولا أنفُ يذبلا

بأثقلَ منهُ وطأة ً حينَ يغتدي … فَيُلْقي وَرَاءَ المُلْكِ نَحْراً وكَلْكَلا

منيعُ نواحي السرِّ فيهِ، حصينُها … إذَا صَارَتِ النَّجْوَى المُذَالَة ُ محفِلا

تَرَى الحَادِثَ المُسْتَعْجِمَ الخَطْب مُعْجَماً … لديْهِ ومشكُولاً إذا كانَ مُشكلا

وجَدْنَاكَ أنْدَى مِنْ رِجَالٍ انَامِلاً … وأحسنَ في الحاجات وجهاً وأجملا

تضيءُ إذا اسودَّ الزمانُ وبعضُهم … يَرَى الموتَ أنْ يَنهَلَّ أَوْ يَتَهلَّلا

وواللهِ ما آتيكَ إلا فريضة ً … وآتي جَميعَ النَّاس إلاَّ تَنَفُّلا

وليسَ امرؤ في الناس كنت سلاحَهُ … عشية َ يلقى الحادثاتِ بأعزَلا

يَرَى دِرْعَهُ حَصْدَاءَ والسَّيْفَ قاضِياً … وزُجَّيْهِ مسْمُومَيْن والسّوْطَ مِغْوَلا

سأقطعُ أمطاءَ المطايا برحلة ٍ … إلى البلدِ الغربيِّ هجراً ومُوصلا


إلى الرحِم الدنيا التي قدْ أجفها … عُقُوقِي عَسَى أَسْبَابُها أن تَبَلَّلا

قبيلٌ وأهلٌ لمْ ألاقِ مشوقهُمْ … لوشْكِ النَّوَى إلاَّ فُوَاقاً كلا وَلا

كأنَّهم كانُوا لخفة ِ وقفتي … مَعَارِفَ لي أو مَنْزلاً كانَ مَنْزلا

ولَوْ شِيتُ لَمَّا التَاثَ بِري عليهمِ … ولم يكُ إجمالاً لكانَ تجمُّلا

فلمْ أجدِ الأخلاقَ إلاَّ تَخَلُّفاً … ولم أجدش الأفضالَ إلاَّ تَفَضُّلا

وأصرفُ وجهي عن بلادٍ غدا بها … لساني مشكولاً وقلبيَ مُقفلا

وجَدَّ بها قَومٌ سِوَايَ، فصَادفُوا … بها الصنعَ أعشى والزمانَ مُغفلا

كلابٌ أغارَتْ في فَريسِة ضَيْغَمٍ … طروقاً وهامٌ أطعمتْ صيدَ أجدلا

وإنَّ صريحَ الرأي والحزم لامرئٍ … إذا بَلَغَتْهُ الشَّمسُ أنْ يَتَحوَّلا

وإلاَّ تَكُنْ تِلْكَ الأمَانيُّ غَضَّة ً … ترفُّ فحسبي أنْ تصادفَ ذبَّلا

فَلْيسَ الذي قَاسَى المَطَالِبَ غُدْوَة ً … هبيداً كمنْ قاسى المطالبَ حنظلا

لئن هممي أوجدنني في تقلبي … مآلاً، لقد أفقدنني منكَ موئلا

وإنْ رُمْتُ أَمْراً مُدْبِرَ الوَجْهِ إنَّني … سأتْركُ حَظّاً في فِنائِكَ مُقْبِلا

وإنْ كنتُ أخطو ساحة َ المَحْل إنَّني … لأتركُ رَوْضاً مِنْ جدَاكَ وجَدْولا

كذلكَ لا يُلْقِي المُسَافِرُ رَحْلَه … إلى منقلِ حتى يُخلفّ منقلا

ولا صاحبُ التطوافِ يعمرُ منهلاً … وربعاً إذا لم يخلِ ربعاً ومنهلا

ومنْ ذا يداني أو ينائي وهلْ فتى … يحلُّ عرى الترحالِ أو يترحلا

فمرني بأمرٍ أحوذيٍّ فإنني … رَأَيْتُ العِدَا أثْروا وأصبحتُ مُرْمِلا

فَسِيَّانِ عِنْدي صَادفَوُا لي مَطْمَعاً … أُعَابُ بهِ أو صَادَفُوا لي مَقْتلا

ووالله لا أنفكُّ أهدي شوارداً … إليكَ يحملنَ الثناءَ المنخلا

تَخَالُ بهِ بُرْداً عليكَ مُحَبَّراً … وتَحْسَبُهُ عِقْداً عليكَ مُفَصَّلا

ألذَّ منَ السلوى وأطيبَ نفحة ً … من المسكِ مفتوقاً وأيسرَ محملا

أخفَّ على قلبٍ وأثقلَ قيمة ً … وأقْصَرَ في سَمْع الجَليسِ وأطْوَلا

ويُزْهَى له قَوْمٌ ولَمْ يُمْدَحوا بهِ … إذَا مَثَلَ الرَّاوي بهِ أوْ تَمثَّلا

على أن إفراطَ الحياءِ استمالني … إليك ولمَ أعدِلْ بعرْضَيَ مَعْدِلا

فثَّقلتُ بالتخفيفِ عنكَ وبعضهمْ … يُخفِّفُ في الحاجاتِ حتى يُثقِّلا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page