كم تَنصَحُ الدُّنيا ولا نَقبَلُ، قصيدة أبوالعلاء المعري
كم تَنصَحُ الدُّنيا ولا نَقبَلُ، – أبوالعلاء المعري
كم تَنصَحُ الدُّنيا ولا نَقبَلُ، … وفائزٌ مَنْ جَدُّهُ مُقبِلُ
إنّ أذاها مثلُ أفعالِنا، … ماضٍ، وفي الحالِ، ومُستَقبَل
أجبلتِ الأبحرُ في عصرِنا … هذا، كما أبحرتِ الأجبُل
فاترُكْ لأهلِ المُلكِ لَذّاتِهِمْ، … فحَسبُنا الكمأةُ والأحبَل
ونَشرَبُ الماءَ براحاتِنا، … إن لم يكنْ، ما بَينَنا، جُنبُل
تسوّقَ النّاسُ بفُرْقانِهِمْ، … وانتَبَلوا جَهلاً، فلم يَنبُلوا
وليس ما يُنقلُ عن عاصمٍ … كما روى عن شَيخِهِ قُنبُل
لا تأمنُ الأغفارُ، في النِّيقِ، أنْ … تُصبِحَ موصولاً بها الأحبُل
يُغنيكَ قَطرٌ بلّ منكَ الصّدى، … في العيَش، أن تزدادَ قُطربُّل
والفذُّ يكفيكَ، إذا فاتَكَ الرّ … قيبُ، والنّافسُ، والمسبِل
لو نَطَقَ الدّهرُ هَجا أهلَه، … كأنّهُ الرّوميُّ، أو دِعبِل
وهو، لَعَمري، شاعرٌ مُغرِزٌ … بالفعلِ، لكنْ لفظُهُ مُجبل
إن كُفّ، ما بينَهمُ، حازمٌ، … فلبُّهُ المطلَقُ لا يُكبَل
وفاعِلاتُنْ ومَفاعِيلُها … تُكَفُّ، في الوَزنِ، ولا تُخبَل
لا تَغبِطِ الأقوامَ، يوماً، على … ما أكلوا خَضْماً، وما سُرْبلوا
يَذبُلُ غُصنُ العيشِ حقّاً، ولو … أضحَى، ومن أوراقِه، يذبُلْ
فَليتَ حوّاءَ عَقيمُ غدَتْ، … لا تَلِدُ النّاسَ ولا تَحبلَ
وليتَ شِيثاً، وأبانا الذي … جاءَ بنا، أهبَلَهُ المُهبِل
وليتنا تُتركُ أجسادُنا، … كما يَزولُ السَّمُرُ المُحبِل
تفَكّروا باللَّهِ، واستَيقظوا، … فإنّها داهيَةٌ ضِئبل
في سُنبُلٍ يُخلَقُ من حَبّةٍ، … ثُمّتَ منها يُخلَقُ السُّنبل
أرادَ مَن يَجْهَلُ تَقويمنا، … ونحنُ أخيافٌ كما نُحبلَ
يكرَه، عَوْلَ الشّيخِ، أبناؤه؛ … وهلْ تَعولُ الأُسُدَ الأشبُل؟
نَنزِلُ من دارٍ لنا رَحبَةٍ، … تُطَلُّ بالآفاتِ، أو تُوبَل
وكلُّ مَن حَلّ بها يكرَهُ الـ … ـرّحلَةَ عَنها، وهيَ تُستَوبَل
إنّ أديماً لي أنا وقتُهُ، … فأينَ منّي الشجَرُ المعبِل؟